Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 24-24)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : إنما مثل ما تباهون في الدنيا وتفاخرون به من زينتها وأموالها مع ما قد وكل بذلك من التكدير والتنغيص وزواله بالفناء والموت ، كَمثل { ماءٍ أنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماءِ } يقول : كمطر أرسلناه من السماء إلى الأرض ، { فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ } يقول : فنبت بذلك المطر أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخُراساني ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّمَا مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيَا كمَاء أنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ } قال : اختلط فنبت بالماء كل لون { مِمَّا يأْكُلُ النَّاسُ } كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار ، وما يأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي . وقوله : { حتى إذَا أخَذَت الأرْضُ زُخْرُفَها } يعني : ظهر حسنها وبهاؤها . { وَازَّيَّنَتْ } يقول : وتزينت . { وَظَنَّ أهْلُها } يعني : أهل الأرض ، { أنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } يعني : على ما أنبتت . وخرج الخبر عن الأرض ، والمعنى للنبات ، إذا كان مفهوماً بالخطاب ما عنى به . وقوله : { أتاها أمْرُنا لَيْلاً أوْ نَهاراً } يقول : جاء الأرض أمرنا يعني قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات إما ليلاً وإما نهاراً . فَجَعَلْناها يقول : فجعلنا ما عليها ، { حَصِيداً } يعني مقطوعة مقلوعة من أصولها ، وإنما هي محصودة صرفت إلى حصيد ، { كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ } يقول : كأن لم تكن تلك الزروع والنبات على ظهر الأرض نابته قائمة على الأرض قبل ذلك بالأمس ، وأصله : من غني فلان بمكان كذا ، يَغْنَى به : إذا أقام به ، كما قال النابغة الذبياني : @ غَنِيَتْ بذلكَ إذْ هُمُ لي جِيرَة مِنْها بعَطْف رِسالَةٍ وَتَوَدُّدِ @@ يقول : فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم وزخارفها ، فيفنيها ويهلكها كما أهلك أمرنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حسنها وبهجتها حتى صارت { كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ } كأن لم تكن قبل ذلك نباتا على ظهرها . يقول الله جلّ ثناؤها : { كَذلكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يقول : كما بينا لكم أيها الناس مثل الدنيا وعرّفناكم حكمها وأمرها ، كذلك نبين حججنا وأدلتنا لمن تفكر واعتبر ونظر . وخصّ به أهل الفكر ، لأنهم أهل التمييز بين الأمور والفحص عن حقائق ما يعرض من الشبه في الصدور . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { حتى إذَا أخَذَتِ الأرْضُ زُخُرُفَها … } الآية : أي والله لئن تشبث بالدنيا وحدب عليها لتوشكن الدنيا أن تلفظه وتقضى منه . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَازَّيَّنَتْ } قال : أنبتت وحسنت . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الرحمن ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، قال : سمعت مروان يقرأ على المنبر هذه الآية : { حتى إذَا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرَفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أهْلُها أنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها } وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها . قال : قد قرأتها ، وليست في المصحف ، فقال عباس بن عبد الله بن العباس : هكذا يقرؤها ابن عباس . فأرسلوا إلى ابن عباس فقال : هكذا أقرأني أُبيّ بن كعب . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ } يقول : كأن لم تَعِشْ ، كأن لم تنعم . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : أبو أسامة ، عن إسماعيل ، قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : في قراءة أبيّ : { كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأَمْسِ } وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها . { كذلكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَازَّيَّنَتْ } فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والعراق : { وَازَّيَّنَتْ } بمعنى : وتزينت ، ولكنهم أدغموا التاء في الزاي لتقارب مخرجيهما ، وأدخلوا ألفا ليوصل إلى قراءته ، إذا كانت التاء قد سكنت والساكن لا يبتدأ به . وحُكى عن أبي العالية وأبي رجاء والأعرج وجماعة أخر غيرهم أنهم قرءوا ذلك : « وأزْيَنَتْ » على مثال أفْعَلَتْ . والصواب من القراءة في ذلك : { وَازَّيَنَتْ } لإجماع الحجة من القرّاء عليها .