Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 27-27)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : والذين عملوا السيئات في الدنيا ، فعصوا الله فيها ، وكفروا به وبرسوله ، جزاء سيئة من عمله السيء الذي عمله في الدنيا بمثلها من عقاب الله في الآخرة . { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } يقول : وتغشاهم ذلة وهوان بعقاب الله إياهم . { ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ } يقول : ما لهم من الله من مانع يمنعهم إذا عاقبهم يحول بينه وبينهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } قال : تغشاهم ذلة وشدّة . واختلف أهل العربية في الرافع للجزاء ، فقال بعض نحويي الكوفة : رفع بإضمار « لهم » ، كأنه قيل : ولهم جزاء السيئة بمثلها ، كما قال : { فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ } فِي الحَجّ والمعنى : فعليه صيام ثلاثة أيام . قال : وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ بمِثْلِها } . وقال بعض نحويي البصرة : الجزاء مرفوع بالابتداء : وخبره بمثلها . قال : ومعنى الكلام : جزاء سيئة مثلها ، وزيدت الياء كما زيدت في قوله : بحسبك قول السوء . وقد أنكر ذلك من قول بعضهم فقال : يجوز أن تكون الباء في « حسب » زائدة ، لأن التأويل : إن قلت السوء فهو حسبك ، فلما لم تدخل في الجزاء أدخلت في حسب بحسبك أن تقوم إن قمت فهو حسبك ، فإن مدح ما بعد حسب أدخلت الباء فيما بعدها كقولك : حسبك بزيد ، ولا يجوز : بحسبك زيد ، لأن زيداً الممدوح فليس بتأويل جزاء . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون الجزاء مرفوعاً بإضمار بمعنى : فلهم جزاء سيئة بمثلها لأن الله قال في الآية التي قبلها : { لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ } فوصف ما أعدّ لأوليائه ، ثم عقب ذلك بالخبر عما أعدّ الله لأعدائه ، فأشبه بالكلام أن يقال : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة . وإذا وجه ذلك إلى هذا المعنى كانت الياء للجزاء . القول في تأويل قوله تعالى : { كأنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أصَحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ } . يقول تعالى ذكره : كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعاً من الليل ، وهي جمع قطعة . وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ، ما : حدثنا به محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة : { كأنما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً } قال : ظلمة من الليل . واختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى : { قِطَعاً } فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { قِطَعاً } بفتح الطاء على معنى جمع قطعة ، وعلى معنى أن تأويل ذلك : كأنما أغشيت وجه كلّ إنسان منهم قطعة من سواد الليل ، ثم جمع ذلك فقيل : كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من سواد ، إذ جمع « الوجه » . وقرأه بعض متأخري القرّاء : « قِطْعاً » بسكون الطاء ، بمعنى : كأنما أغشيت وجوههم سواداً من الليل ، وبقية من الليل ، ساعة منه ، كما قال : { فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ } أي ببقية قد بقيت منه ، ويعتلّ لتصحيح قراءته ذلك كذلك أنه في مصحف أبيّ : « ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم » . والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي قراءة ذلك بفتح الطاء ، لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار على تصويبها وشذوذ ما عداها . وحسب الأخرى دلالة على فسادها ، خروج قارئها عما عليه قرّاء أهل الأمصار والإسلام . فإن قال لنا قائل : فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت ، فما وجه تذكير المظلم وتوحيده ، وهو من نعت القِطَع والقِطْع جمع لمؤنث ؟ قيل في تذكيره ذلك وجهان : أحدهما : أن يكون قطعاً من الليل ، وإن يكون من نعت الليل ، فلما كان نكرة والليل معرفة نصب على القطع . فيكون معنى الكلام حينئذ : كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل المظلم ، ثم حذفت الألف واللام من « المظلم » ، فلما صار نكرة وهو من نعت الليل نصب على القطع وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك حالاً ، والكوفيُّون قطعاً . والوجه الآخر على نحو قول الشاعر : @ لو أنَّ مِدْحَةَ حَيّ مُنْشِرٌ أحَداً @@ والوجه الأول أحسن وجهيه . وقوله : { أُولَئِكَ أصَحابُ النَّارِ } يقول : هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم أهل النار الذين هم أهلها ، { هُمْ فِيها خالِدُونَ } يقول : هم فيها ماكثون .