Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 2-2)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : أكان عجباً للناس إيحاؤنا القرآن على رجل منهم بإنذارهم عقاب الله على معاصيه ، كأنهم لم يعلموا أن الله قد أوحى من قبله إلى مثله من البشر ، فتعجبوا من وحينا إليه . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : لما بعث الله محمدا رسولاً أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله تعالى : { أكانَ للنَّاسِ عَجَبا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُلٍ مِنْهُمْ … } وقال : { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاَّ رِجالاً } حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : عجبت قريش أن بُعث رجل منهم . قال : ومثل ذلك : { وَإلى عاد أخاهُمْ هُوداً وإلى ثَمُودَ أخاهُمْ صَالِحاً } قال الله : { أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ على رَجُل مِنْكُمْ } القول في تأويل قوله تعالى : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } . يقول جلّ ثناؤه : أكان عجبا للناس أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس ، وأن بشر الذين آمنوا بالله ورسوله أن لهم قدم صدق عطف على « أنذر » . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { قَدَمَ صِدْق } فقال بعضهم : معناه : أن لهم أجراً حسناً بما قدّموا من صالح الأعمال . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : { أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قال : ثواب صدق . قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد : { أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قال : الأعمال الصالحة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } يقول : أجراً حسناً بما قدّموا من أعمالهم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن حبان ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث عن مجاهد : { أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قال : صلاتهم ، وصومهم ، وصدقتهم ، وتسبيحهم . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قَدَمَ صِدْقٍ } قال : خير . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قَدَمَ صِدْقٍ } مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، قال : { قَدَمَ صِدْقٍ } ثواب صدق عند ربهم . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ } قال : القدم الصدق : الثواب الصدق بما قدموا من الأعمال . وقال آخرون : معناه : أن لهم سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } يقول : سبقت لهم السعادة في الذكر الأوّل . وقال آخرون : معنى ذلك أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم شفيع لهم ، قَدَمَ صدق . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا يحيى بن آدم ، عن فضيل بن عمرو بن الجون ، عن قتادة أو الحسن : { أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قال : محمد شفيع لهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } : أي سلف صدق عند ربهم . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن زيد بن أسلم ، في قوله : { أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال : معناه أن لهم أعمالاً صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثواب وذلك أنه محكيّ عن العرب : هؤلاء أهل القدم في الإسلام أي هؤلاء الذين قدموا فيه خيراً ، فكان لهم فيه تقديم ، ويقال : له عندي قدم صدق وقدم سوء ، وذلك ما قدم إليه من خير أو شرّ ، ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه : @ لَنا القَدَمُ الأُولى إلَيْكَ وخَلْفُنا لأوَّلِنا في طاعَةِ اللَّهِ تابِعُ @@ وقول ذي الرمَّة : @ لَكُمْ قَدَمٌ لا يُنْكِرُ النَّاسُ أنَّها مَعَ الحَسَبِ العادِيّ طَمَّتْ على البَحْرِ @@ فتأويل الكلام إذا : وبشر الذين آمنوا أن لهم تقدمة خير من الأعمال الصالحة عند ربهم . القول في تأويل قوله تعالى : { قال الكافِرُونَ إنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ } . اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء أهل المدينة والبصرة : { إنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ } بمعنى : إن هذا الذي جئتنا به ، يعنون القرآن « لَسِحْرٌ مُبِينٌ » . وقرأ ذلك مسروق وسعيد بن جبير وجماعة من قرّاء الكوفيين : { إنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ } وقد بينت فيما مضى من نظائر ذلك أن كل موصوف بصفة نزل الموصوف على صفته ، وصفته عليه ، فالقارىء مخير في القراءة في ذلك وذلك نظير هذا الحرف : « قال الكافِرُونَ إنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ » و { لساحر مبين } وذلك أنهم إنما وصفوه بأنه ساحر ، ووصفهم ما جاءهم به أنه سحر يدلّ على أنهم قد وصفوه بالسحر . وإذا كان ذلك كذلك فسواء بأيّ ذلك قرأ القارىء لاتفاق معنى القراءتين . وفي الكلام محذوف استغنى بدلالة ما ذكر عما ترك ذكره وهو : فلما بشرهم وأنذرهم وتلا عليهم الوحي ، قال الكافرون إن هذا الذي جاءنا به لسحر مبين . فتأويل الكلام إذا : أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم ، أن أنذر الناس ، وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ، فلما أتاهم بوحي الله وتلاه عليهم ، قال المنكرون توحيد الله ورسالة رسوله : إن هذا الذي جاءنا به محمد لسحر مبين أي يبين لكم عنه أنه مبطل فيما يدعيه .