Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 88-88)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وقال موسى يا ربنا إنك أعطيت فرعون وكبراء قومه وأشرافهم ، وهم الملأ ، زينة من متاع الدنيا وأثاثها ، وأمولاً من أعيان الذهب والفضة في الحياة الدنيا . { رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ } يقول موسى لربه : ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من ذلك ليضلوا عن سبيلك . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : { لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ } بمعنى : ليضلوا الناسَ عن سبيلك ، ويصدّوهم عن دينك . وقرأ ذلك آخرون : « لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ » بمعنى : ليضلوا هم عن سبيلك ، فيَجوروا عن طريق الهدى . فإن قال قائل : أفكان الله جلّ ثناؤه أعطى فرعون وقومه ماأعطاهم من زينة الدنيا وأموالها ليُضلوا الناس عن دينه ، أو ليَضلوا هم عنه ؟ فإن كان لذلك أعطاهم ذلك ، فقد كان منهم ما أعطاهم لأجله ، فلا عتب عليهم في ذلك ؟ قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت . وقد اختلفت أهل العلم بالعربية في معنى هذه اللام التي في قوله : { لِيُضِلّوا } فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : ربنا فضلوا عن سبيلك ، كما قال : { فالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُوَنَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً } أي فكان لهم وهم لم يلتقطوه ليكون عدوا وحزنا ، وإنما التقطوه فكان لهم . قال : فهذه اللام تجيء في هذا المعنى . وقال بعض نحويي الكوفة : هذه اللام لام كي ومعنى الكلام : ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم كي يضلوا ، ثم دعا عليهم وقال آخر : هذه اللامات في قوله « ليضلوا » و « ليكون لهم عدوًّا » ، وما أشبهها بتأويل الخفض : آتيتهم ما أتيتهم لضلالهم ، والتقطوه لكونه لأنه قد آلت الحالة إلى ذلك . والعرب تجعل لام كي في معنى لام الخفض ، ولام الخفض في معنى لام كي لتقارب المعنى ، قال الله تعالى : { سَيَحْلِفُونَ باللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتَعْرِضُوا عَنْهُمْ } أي لإعراضكم ، ولم يحلفوا لإعراضهم وقال الشاعر : @ سَمَوْتَ ولَمْ تَكُنْ أهْلاً لِتَسْمُو وَلكنَّ المُضَيَّعَ قَدْ يُصَابُ @@ قال : وإنما يقال : وما كنت أهلاً للفعل ، ولا يقال لتفعل إلا قليلاً . قال : وهذا منه . والصواب من القول في ذلك عندي : أنها لا م كي ، ومعنى الكلام : ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه ، ويُضِلوا عن سبيلك عبادك ، عقوبةً منك . وهذا كما قال جلّ ثناؤه : { لأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } وقوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ } هذا دعاء من موسى ، دعا الله على فرعون وملئه أن يغير أموالهم عن هيئتها ، ويبدّلها إلى غير الحال التي هي بها ، وذلك نحو قوله : { مِنْ قَبْل أنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنرُدَّها على أدْبارِها } يعني به : من قبل أن نغيرها عن هيئتها التي هي بها ، يقال منه : طمست عينه أطْمِسُها وأطْمُسُها طمساً وطُمُوساً ، وقد تستعمل العرب الطَّمْس في العُفُوّ والدثور وفي الاندقاق والدروس ، كما قال كعب بن زهير : @ مِنْ كلّ نَضَّاخَةِ الذفْرَى إذا عَرِقَت عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ @@ وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك في هذا الموضع ، فقال جماعة منهم فيه مثل قولنا . ذكر من قال ذلك : حدثني زكريا بن يحيى بن زائدة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثني ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، قال : بلغنا عن القرظي ، في قوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : اجعل سكرهم حجارة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن محمد بن القرظيّ ، قال : اجعل سكرهم حجارة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : { اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : اجعلها حجارة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبُو حذيفة ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : ثنا أبو جعفر عن الربيع بن أنس ، في قوله : { اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : صارت حجارة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : بلغنا أن زروعهم تحوّلت حجارة . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : بلغنا أن حروثا لهم صارت حجارة . حدثني المثنى ، قال : ثنا قبيصة بن عقبة ، قال : ثنا سفيان : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : يقولون : صارت حجارة . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق . قال : ثنا يحيى الحماني ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إسماعيل عن أبي صالح ، في قوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : صارت حجارة . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : بلغنا أن حروثا لهم صارت حجارة . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : جعلها الله حجارة منقوشة على هيئة ما كانت . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : قد فعل ذلك ، وقد أصابهم ذلك طمس على أموالهم ، فصارت حجارة ذهبهم ودراهمهم وعدسهم وكلّ شيء . وقال آخرون : معنى ذلك : أهلكها . ذكر من قال ذلك : حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } قال : أهلكها . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ } يقول : دمر عليهم وأهلك أموالهم . وأما قوله : { وَاشْدُدْ على قُلوبِهِمْ } فإنه يعني : واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح بالإيمان . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : وقال موسى قبل أن يأتي فرعون : ربنا { وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ فَلا يؤْمِنُوا حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ } فاستجاب الله له ، وحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق ، فلم ينفعه الإيمان . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ } يقول : واطبع على قلوبهم ، رحتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ وهو الغرق . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ } بالضلالة . قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ } قال : بالضلالة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ } يقول : أهلكهم كفارا . وأما قوله : { فَلا يُوءْمِنُوا حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ } فإن معناه : فلا يصدّقوا بتوحيد الله ويقروا بوحدانيته حتى يروا العذاب الموجع . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَلا يؤْمِنُوا } بالله فيما يرون من الآيات ، { حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : سمعت المنقري يقول : { فَلا يؤْمِنُوا } يقول : دعا عليهم . واختلف أهل العربية في موضع : { يُوءْمِنُوا } فقال بعض نحويي البصرة : هو نصب لأن جواب الأمر بالفاء أو يكون دعاء عليهم إذا عصوا . وقد حُكي عن قائل هذا القول أنه كان يقول : هو نصب عطفا على قوله : { لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ } . وقال آخر منهم ، وهو قول نحوييِّ الكوفة : موضعه جزم على الدعاء من موسى عليهم ، بمعنى : فلا آمنوا ، كما قال الشاعر : @ فَلا يَنْبَسِطْ مِنْ بينِ عَيْنَيْكَ ما انْزَوَى وَلا تَلْقَنِي إلاَّ وأنْفُكَ رَاغِمُ @@ بمعنى : فلا انبسط من بين عينيك ما انزوى ، ولا لقيتني على الدعاء . وكان بعض نحويّي الكوفة يقول : هو دعاء ، كأنه قال : اللهم فلا يؤمنوا . قال : وإن شئت جعلتها جوابا لمسئلته إياه ، لأن المسئلة خرجت على لفظ الأمر ، فتجعل { فلا يؤْمِنُوا } في موضع نصب على الجواب ، وليس بسهل . قال : ويكون كقول الشاعر : @ يا ناقَ سِيرِي عَنَقاً فَسِيحا إلى سُلَيْمَانَ فَنَستَرِيحا @@ قال : وليس الجواب بسهل في الدعاء لأنه ليس بشرط . والصواب من القول في ذلك أنه في موضع جزم على الدعاء ، بمعنى : فلا آمنوا . وإنما اخترت ذلك لأن ما قبله دعاء ، وذلك قوله : { رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ } فإلحاق قوله : { فَلا يؤْمِنُوا } إذ كان في سياق ذلك بمعناه أشبهُ وأولى . وأما قوله : { حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ } فإن ابن عباس كان يقول : معناه : حتى يروا الغرق . وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك من بعض وجوهها فيما مضى . حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال ابن عباس : { فَلا يؤْمِنُوا حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ } قال : الغرق .