Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـل نوح لقومه إذ كذبوه وردّوا علـيه ما جاءهم به من عند الله من النصيحة : { يا قَوْمِ أرأيْتُـمْ إنْ كُنْتُ علـى بَـيِّنَةٍ مِنْ رَبّـي } علـى علـم ومعرفة وبـيان من الله لـي ما يـلزمنـي له ، ويجب علـيّ من إخلاص العبـادة له وترك إشراك الأوثان معه فـيها . { وآتانِـي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ } يقول : ورزقنـي منه التوفـيق والنبوّة والـحكمة ، فآمنت به وأطعته فـيـما أمرنـي ونهانـي . { فَعُمِّيَتْ عَلَـيْكُمْ } . واختلفت القراء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل الـمدينة وبعض أهل البصرة والكوفة : « فَعَمِيَتْ » بفتـح العين وتـخفـيف الـميـم ، بـمعنى : فعميت الرحمة علـيكم فلـم تهتدوا لها فتقروا بها وتصدقوا رسولكم علـيها . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين : { فَعُمِّيَتْ عَلَـيْكُمْ } بضمّ العين وتشديد الـميـم ، اعتبـاراً منهم ذلك بقراءة عبد الله ، وذلك أنهما فـيـما ذكر فـي قراءة عبد الله : « فعماها علـيكم » . وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأه : { فَعُمِّيَتْ عَلَـيْكُمْ } بضمّ العين وتشديد الـميـم للذي ذكروا من العلة لـمن قرأ به ، ولقربه من قوله : { أرأيْتُـمْ إنْ كُنْتُ علـى بَـيِّنَةٍ مِنْ رَبـيّ وآتانِـي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ } فأضاف الرحمة إلـى الله ، فكذلك تعميته علـى الآخرين بـالإضافة إلـيه أولـى . وهذه الكلـمة مـما حوّلت العرب الفعل عن موضعه ، وذلك أن الإنسان هو الذي يَعْمَى عن إبصار الـحقّ ، إذ يَعْمى عن إبصاره ، والـحقّ لا يوصف بـالعَمَى إلا علـى الاستعمال الذي قد جرى به الكلام ، وهو فـي جوازه لاستعمال العرب إياه نظير قولهم : دخـل الـخاتـم فـي يدي ، والـخفّ فـي رجلـي ، ومعلوم أن الرجل هي التـي تدخـل فـي الـخفّ ، والأصبع فـي الـخاتـم ، ولكنهم استعملوا ذلك كذلك لـما كان معلوماً الـمراد فـيه . وقوله : { أنُلْزِمُكْمُوها وأنْتُـمْ لَهَا كارِهُونَ } يقول : أنأخذكم بـالدخول فـي الإسلام وقد عماه الله علـيكم ، { لها كَارِهُونَ } يقول : وأنتـم لإلزامناكموها كارهون ، يقول : لا نفعل ذلك ، ولكن نكل أمركم إلـى الله حتـى يكون هو الذي يقضي فـي أمركم ما يرى ويشاء . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال نوح : { يا قَوْمِ إنْ كُنْتُ عَلَـى بَـيِّنَةٍ مِنْ رَبِّـي } قال : قد عرفُتها وعرفتُ بها أمره وأنه لا إله إلا هو ، { وآتَانِـي رَحْمَةً مِنْ عِنَدِهِ } : الإسلام والهدى والإيـمان والـحكم والنبوّة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أرأيْتُـمْ إنْ كُنْتُ علـى بَـيِّنَةٍ مِنْ رَبِّـي } … الآية ، أما والله لو استطاع نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه ، ولكن لـم يستطع ذلك ولـم يـملكه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنا سفـيان ، عن داود ، عن أبـي العالـية ، قال : فـي قراءة أبـيّ : « أنلزُمكموها من شطر أنفسنا وأنتـم لها كارهون » . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبـير ، عن ابن عيـينة ، قال : أخبرنا عمرو بن دينار قال : قرأ ابن عبـاس : « أنلزمكموها من شطر أنفسنا » قال عبد الله : مِنْ شَطْرِ أنفسنا : من تلقاء أنفسنا . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا ابن عيـينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عبـاس مثله . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفـيان ، عن داود بن أبـي هند ، عن أبـي العالـية ، عن أبـيّ بن كعب : أنلزمكموها من شطر قلوبنا وأنتـم لها كارهون .