Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 5-5)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف القرّاء في قراءة قوله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } فقرأته عامة الأمصار : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } على تقدير يفعلون من « ثنيت » ، والصدور منصوبة . واختلفت قارئو ذلك كذلك في تأويله ، فقال بعضهم : ذلك كان من فعل بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم غطى وجهه وثنى ظهره . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عبد الله بن شدّاد في قوله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } قال : كان أحدهم إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بثوبه على وجهه وثنى ظهره . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، قوله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قال : من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان المنافقون إذا مرّوا به ثنى أحدهم صدره ويطأطىء رأسه ، فقال الله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } … الآية . حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : ثنا هشيم ، عن حصين ، قال : سمعت عبد الله بن شداد يقول ، في قوله : { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } قال : كان أحدهم إذا مرّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ثنى صدره ، وتغشى بثوبه كي لا يراه النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : بل كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم بالله وظنًّا أن الله يخفى عليه ما تضمره صدورهم إذا فعلوا ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } قال : شكاً وامتراء في الحقّ ، ليستخفوا من الله إن استطاعوا . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } شكًّا وامتراء في الحقّ . { لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قال : من الله إن استطاعوا . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } قال : تضيق شكًّا . حدثنا المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } قال : تضيق شكًّا وامتراء في الحقّ ، قال : { لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قال : من الله إن استطاعوا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } قال : من جهالتهم به ، قال الله : { ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } في ظلمة الليل في أجوف بيوتهم ، { يَعْلَمُ } تلك الساعة { ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ إنَّهُ عَلِيمٌ بذاتِ الصُّدُور } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } قال : كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه . وقال آخرون : إنما كانوا يفعلون ذلك لئلا يسمعوا كلام الله تعالى . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } … الآية ، قال : كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله ، قال تعالى : { ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ } وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى صدره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه ، فإن الله لا يخفى ذلك عليه . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } قال : أخفى ما يكون الإنسان إذا أسرّ في نفسه شيئا وتغطى بثوبه ، فذلك أخفى ما يكون ، والله يطلع على ما في نفوسهم ، والله يعلم ما يسرّون وما يعلنون . وقال آخرون : إنما هذا إخبار من الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن المنافقين الذين كانوا يضمرون له العداوة والبغضاء ويبدون له المحبة والمودّة ، وأنهم معه وعلى دينه . يقول جلّ ثناؤه : ألا إنهم يطوون صدورهم على الكفر ليستخفوا من الله ، ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرائرهم وعلانيتهم . وقال آخرون : كانوا يفعلون ذلك إذا ناجى بعضهم بعضاً . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قال : هذا حين يناجي بعضهم بعضاً . وقرأ : { ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } … الآية . ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : « ألا إنَّهُمْ يثْنَونِي صُدُورُهُمْ » على مثال : تَحْلَولِي التمرة : تَفْعَوعِل . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ « ألا إنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال : كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول : سمعت ابن عباس يقرؤها : « ألا إنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال : سألته عنها ، فقال : كان ناس يستحيون أن يتخلّوا فيُفْضُوا إلى السماء ، وأن يصيبوا فيفضوا إلى السماء . ورُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر ، وهو ما : حدثنا به محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرت عن عكرمة ، أن ابن عباس ، قرأ « ألا إنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » وقال ابن عباس : تثنوني صدورهم : الشك في الله وعمل السيئات . { يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ } يستكبر ، أو يستكنّ من الله والله يراه ، { يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ } . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : « ألا إنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ » قال عكرمة : تثنوني صدورهم ، قال : الشك في الله وعمل السيئات ، فيستغشي ثيابه ويستكنّ من الله ، والله يعلم ما يسرّون وما يعلنون . والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } على مثال « يفعلون » ، والصدور نصب بمعنى : يحنون صدورهم ويكنّونها . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يقول : يكنّون . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يقول : يكتمون ما في قلوبهم . { ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ } ما عملوا بالليل والنهار . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ألا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يقول : تثنوني صدورُهم . وهذا التأويل الذي تأوّله الضحاك على مذهب قراءة ابن عباس ، إلا أن الذي حدثنا هكذا ذكر القراءة في الرواية . فإذا كانت القراءة التي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصواب لإجماع الحجة من القرّاء عليها . فأولى التأويلات بتأويل ذلك ، تأويل من قال : إنهم كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم بالله أنه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم أو تناجوه بينهم . وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية ، لأن قوله : { لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } بمعنى : ليستخفوا من الله ، وأن الهاء في قوله : { مِنْهُ } عائدة على اسم الله ، ولم يجر لمحمد ذكر قبل ، . فيجعل من ذكره صلى الله عليه وسلم وهي في سياق الخبر عن الله . فإذا كان ذلك كذلك كانت بأن تكون من ذكر الله أولى . وإذا صحّ أن ذلك كذلك ، كان معلوما أنهم لم يحدِّثوا أنفسهم أنهم يستخفون من الله إلا بجهلهم به ، فلما أخبرهم جلّ ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرّ أمورهم وعلانيتها على أيّ حال كانوا تغشوا بالثياب أو ظهروا بالبراز ، فقال : { ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } يعني : يتغشون ثيابهم يتغطونها ويلبسون ، يقال منه : استغشى ثوبه وتغشاه ، قال الله : واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وقالت الخنساء @ أرْعَى النُّجُومَ وَما كُلِّفْتُ رِعْيَتَها وتارَةً أتَغشَّى فَضْلَ أطْمارِى @@ { يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ } يقول جلّ ثناؤه : يعلم ما يسرّ هؤلاء الجهلة بربهم ، الظانون أن الله يخفى عليه ما أضمرته صدورهم إذا حنوها على ما فيها وثنوه ، وما تناجوه بينهم فأخفوه { وما يُعْلِنُونَ } سواء عنده سرائر عباده وعلانيتهم { إنّه عَلِيمٌ بذَاتِ الصُّدُورَ } يقول تعالى ذكره : إن الله ذو علم بكلّ ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر وحقّ وباطل وخير وشرّ ، وما تستجنّه مما لم يجنه بعد . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : { ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } يقول : يغطون رؤسهم . قال أبو جعفر ، فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صدوركم الشك في شىء من توحيده أو أمره أو نهيه ، أو فيما ألزمكم الإيمان به والتصديق ، فتهلكوا باعتقادكم ذلك .