Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 111-111)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : لقد كان فـي قصص يوسف وإخوته عِبرة لأهل الـحِجا والعقول ، يعتبرون بها وموعظة يتعظون بها وذلك أن الله جلّ ثناؤه بعد أن ألقـي يوسف فـي الـجبّ لـيهلك ، ثم بِـيع بـيع العبـيد بـالـخسيس من الثمن ، وبعد الإسار والـحبس الطويـل ملَّكه مصر ومكَّن له فـي الأرض وأعلاه علـى من بغاه سوءاً من إخوته ، وجمع بـينه وبـين والديه وإخوته بقدرته بعد الـمدّة الطويـلة ، وجاء بهم إلـيه من الشُّقَّة النائية البعيدة . فقال جلّ ثناؤه للـمشركين من قريش من قوم نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : لقد كان لكم أيُّها القوم فـي قَصَصهم عبرة لو اعتبرتـم به ، أن الذي فعل ذلك بـيوسف وإخوته لا يتعذّر علـيه أن يفعل مثله بـمـحمد صلى الله عليه وسلم ، فـيخرجه من بـين أظهركم ثم يظهره علـيكم ويـمكن له فـي البلاد ويؤيده بـالـجند والرجال من الأتبـاع والأصحاب ، وإن مرّت به شدائد وأتت دونه الأيام واللـيالـي والدهور والأزمان . وكان مـجاهد يقول : معنى ذلك : لقد كان فـي قصصهم عبرة لـيوسف وإخوته . ذكر الرواية بذلك : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { لَقَدْ كانَ فـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ } لـيوسف وإخوته . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : عبرة لـيوسف وإخوته . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قوله : { لَقَدْ كانَ فِـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولـى الألْبـاب } قال : يوسف وإخوته . وهذا القول الذي قاله مـجاهد وإن كان له وجه يحتـمله التأويـل ، فإن الذي قلنا فـي ذلك أولـى به لأن ذلك عقـيب الـخبر عن نبـينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من الـمشركين ، وعقـيب تهديدهم ووعيدهم علـى الكفر بـالله وبرسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم ، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته ، ومع ذلك أنه خبر عامّ عن جميع ذوي الألبـاب ، أن قصصهم لهم عبرة ، وغير مخصوص بعض به دون بعض . فإذا كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك ، فهو بأن يكون خبراً عن أنه عبرة لغيرهم أشبه ، والرواية التـي ذكرناها عن مـجاهد من رواية ابن جريج أشبه به أن تكون من قوله لأن ذلك موافق القول الذي قلناه فـي ذلك . وقوله : { ما كانَ حَديثاً يُفْتَرَى } يقول تعالـى ذكره : ما كان هذا القول حديثاً يُختلَق ويُتَكَذَّب ويتـخرّص . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى } والفِرية : الكذب . { ولكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بـينَ يَدَيْه } يقول : ولكنه تصديق الذي بـين يديه من كتب الله التـي أنزلها قبله علـى أنبـيائه ، كالتوراة والإنـجيـل والزبور ، ويصدّق ذلك كله ويشهد علـيه أن جميعه حقّ من عند الله . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذي بـينَ يَدَيْهِ } والفرقان تصديق الكتب التـي قبله ، ويشهد علـيها . وقوله : { وَتَفْصِيـلَ كُلّ شَيْءٍ } يقول تعالـى ذكره : وهو أيضاً تفصيـل كلّ ما بـالعبـاد إلـيه حاجة من بـيان أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وطاعته ومعصيته . وقوله : { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يقول تعالـى ذكره : وهو بـيان أمره ، ورشاد من جَهِلَ سبـيـل الـحقّ فعمِي عنه إذا تبعه فـاهتدى به من ضلالته ورحمة لـمن آمن به وعمل بـما فـيه ، ينقذه من سخط الله وألـيـم عذابه ، ويورثه فـي الآخرة جنانه والـخـلود فـي النعيـم الـمقـيـم . { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يقول : لقوم يصدّقون بـالقرآن وبـما فـيه من وعد الله ووعيده وأمره ونهيه ، فـيعملون بـما فـيه من أمره وينتهون عما فـيه من نهيه .