Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 37-37)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { قالَ } يوسف للفتـيـين اللذين استعبراه الرؤيا : { لا يَأْتِـيكُما } أيها الفتـيان فـي منامكما { طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إلاَّ نَبَّأْتُكُما بتأْوِيـلِهِ } فـي يقظتكما { قَبْلَ أنْ يَأْتِـيَكُما } . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمرو ، عن أسبـاط ، عن السديّ ، قال : قال يوسف لهما : { لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ فـي النوم إلاَّ نَبَّأْتُكُما } بتأويـله فـي الـيقظة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال يوسف لهما : { لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ } يقول : فـي نومكما { إلاَّ نَبَّأْتُكُما بتَأْوِيـلِهِ } . ويعنـي بقوله { بِتَأْوِيـلِهِ } : ما يئول إلـيه ويصير ما رأيا فـيى منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فـيه . وقوله : { ذَلِكُما مِـمَّا عَلَّـمَنِـي رَبّـي } يقول : هذا الذي أذكر أنـي أعلـمه من تعبـير الرؤيا مـما علـمنـي ربـي فعلِّـمته . { إنّـي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بـاللَّهِ } وجاء الـخبر مبتدأ : أي تركت ملة قوم ، والـمعنى : ما ملت . وإنـما ابتدأ بذلك لأن فـي الابتداء الدلـيـل علـى معناه . وقوله : { إنّـي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بـاللَّهِ } يقول : إنـي برئت من ملة من لا يصدّق بـالله ، ويقرّ بوحدانـيته . وَهُمْ بـالآخِرَةِ { هُمْ كافِرُونَ } يقول : وهم مع تركهم الإيـمان بوحدانـية الله لا يقرّون بـالـمعاد والبعث ولا بثواب ولا عقاب . وكرّرت « هم » مرّتـين ، فقـيـل : { وَهُمْ بـالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } لـما دخـل بـينهما قوله : { بـالآخِرَةِ } فصارت « هم » الأولـى كالـملغاة ، وصار الاعتـماد علـى الثانـية ، كما قـيـل : { وَهُمْ بـالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } وكما قـيـل : { أيَعِدُكُمْ أنَّكُمْ إذا مِتُّـمُ وكُنْتُـمْ تُرَابـاً وَعِظاماً أنَّكُمْ مُخْرَجُونَ } فإن قال قائل : ما وجه هذا الـخبر ومعناه من يوسف ، وأين جوابه الفتـيـين عما سألاه من تعبـير رؤياهما من هذا الكلام ؟ قـيـل له : إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويـل رؤياهما لـما علـم من مكروه ذلك علـى أحدهما ، فأعرض عن ذكره وأخذ فـي غيره لـيعرضا عن مسألته الـجواب بـما سألاه من ذلك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُريج ، فـي قوله : { إنّـي أرانِـي أعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الآخَرُ إنّـي أرَانِـي أحْمِلُ فَوْقَ رأسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بَتأْوِيـلِهِ } قال : فكره العبـارة لهما ، وأخبرهما بشيء لـم يسألاه عنه لـيريهما أن عنده علـماً . وكان الـملك إذا أراد قتل إنسان ، صنع له طعاماً معلوماً ، فأرسل به إلـيه ، فقال يوسف : { لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ } … إلـى قوله : { تَشْكُرُونَ } . فلـم يَدَعاه ، فعدل بهما ، وكره العبـارة لهما ، فلـم يدعاه حتـى يعبر لهما ، فعدل بهما وقال : { يا صَاحِبَـيِ السِّجْنِ أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ } … إلـى قوله : { يَعْلَـمُونَ } فلـم يدعاه حتـى عَبَّر لهما ، فقال : { يا صَاحِبَـيِ السِّجْن أمَّا أحَدُكمَا فَـيَسْقِـي رَبَّه خَمْراً وأمَّا الآخَرُ فَـيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رأسِهِ } قالا : ما رأينا شيئاً ، إنـما كنا نلعب قال : { قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ } وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله ابن جريج . فقوله : { لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ } فـي الـيقظة لا فـي النوم . وإنـما أعلـمهما علـى هذا القول أن عنده علـمَ ما يؤول إلـيه أمر الطعام الذي يأتـيهما من عند الـملك ومن عند غيره ، لأنه قد علـم النوع الذي إذا أتاهما كان علامة لقتل من أتاه ذلك منهما ، والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك ، فأخبرهما أنه عنده علـمُ ذلك .