Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 36-36)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ودخـل مع يوسف السجن فتـيان ، فدلّ بذلك علـى متروك قد ترك من الكلام وهو : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَـيَسْجُنُنَّهُ حتـى حِينٍ } فسجنوه وأدخـلوه السجن ودخـل معه فتـيان ، فـاستغنى بدلـيـل قوله : { وَدَخَـلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَـيانِ } علـى إدخالهم يوسف السجن من ذكره . وكان الفتـيان فـيـما ذكر : غلامين من غلـمان ملك مصر الأكبر : أحدهما صاحب شرابه ، والآخر صاحب طعامه . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : فطرح فـي السجن ، يعنـي يوسف ، ودخـل معه السجن فتـيان ، غلامان كانا للـملك الأكبر : الريان بن الولـيد ، كان أحدهما علـى شرابه ، والآخر علـى بعض أمره ، فـي سخطة سخطها علـيهما ، اسم أحدهما مـجلث والآخر نبو ، ونبو الذي كان علـى الشراب . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَدَخَـلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَـيانِ } قال : كان أحدهما خبـازاً للـملك علـى طعامه ، وكان الآخر ساقـيه علـى شرابه . وكان سبب حبس الـملك الفتـيـين فـيـما ذكر ، ما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمرو ، عن أسبـاط ، عن السديّ ، قال : إن الـملك غضب علـى خبـازه ، بلغه أنه يريد أن يسمّه ، فحبسه وحبس صاحب شرابه ، ظنّ أنه مالأه علـى ذلك فحبسهما جميعاً فذلك قول الله تعالـى ودخـل معه السجن فتـيان . وقوله : { قالَ أحَدُهُما إنّـي أرَانِـي أعْصِرُ خَمْراً } ذكر أن يوسف صلوات الله وسلامه علـيه لـما أدخـل السجن ، قال لـمن فـيه من الـمـحبَّسين ، وسألوه عن عمله : إنـي أعبر الرؤيا ، فقال أحد الفتـيـين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه : تعال فلنـجرّبه . كما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمرو بن مـحمد ، عن أسبـاط ، عن السديّ ، قال : لـما دخـل يوسف السجن قال : أنا أعبر الأحلام . فقال أحد الفتـيـين لصاحبه : هلـمّ نـجرّب هذا العبد العبرانـيّ نتراءى له فسألاه من غير أن يكونا رأياً شيئاً . فقال الـخبـاز : إنـي أرانـي أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ، وقال الآخر : إنـي أرانـي أعصر خمراً . حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : ثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيـم ، عن عبد الله ، قال : ما رأى صاحبـاً يوسف شيئاً ، وإنـما كانا تـحالُـما لـيجرّبـا علـمه . وقال قوم : إنـما سأله الفتـيان عن رؤيا كانا رأياها علـى صحة وحقـيقة ، وعلـى تصديق منهما لـيوسف لعلـمه بتعبـيرها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لـما رأى الفتـيان يوسف ، قالا : والله يا فتـى لقد أحببناك حين رأيناك . قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك : أنشدكما الله أن لا تـحبـانـي فوالله ما أحبنـي أحد قطّ إلا دخـل علـيّ من حبه بلاء ، لقد أحبتنـي عمتـي فدخـل علـيّ من حبها بلاء ، ثم لقد أحبنـي أبـي فدخـل علـيّ بحبه بلاء ، ثم لقد أحبتنـي زوجة صاحبـي هذا فدخـل علـيّ بحبها إياي بلاء ، فلا تـحبـانـي بـارك الله فـيكما قال : فأبـيا إلا حبه وإلفه حيث كان ، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله ، وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا ، فرأى « مـجلث » أنه يحمل فوق رأسه ، خبزاً تأكل الطير منه ، ورأى « نبو » أنه يعصر خمراً ، فـاستفتـياه فـيها وقالا له : { نَبِّئْنا بتأْوِيـلِهِ إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ } إن فعلت . وعنـي بقوله : { أعْصِرُ خَمْراً } أي إنـي أرى فـي نومي أنـي أعصر عنبـاً . وكذلك ذلك فـي قراءة ابن مسعود فـيـما ذكر عنه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن أبـي سلـمة الصائغ ، عن إبراهيـم بن بشير الأنصاريّ ، عن مـحمد بن الـحنفـية قال فـي قراءة ابن مسعود : « إنّـي أَرَانِـي أعْصِرُ عِنَبـاً » . وذكر أن ذلك من لغة أهل عُمان ، وأنهم يسمون العنب خمرا . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { إنّـي أرَانـي أعْصِرُ خَمْراً } يقول : أعصر عنبـاً ، وهو بلغة أهل عُمان ، يسمون العنب خمراً . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع وثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك : { إنّـي أرَانـي أعْصِرُ خَمْراً } قال : عنبـاً ، أرض كذا وكذا يدعون العنب خمراً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : { إنّـي أرَانـي أعْصِرُ خَمْراً } قال : عنبـاً . حُدثت عن الـمسيب بن شريك ، عن أبـي حمزة ، عن عكرمة ، قال : أتاه فقال : رأيت فـيـما يرى النائم أنـي غرست حَبَلَةً من عنب ، فنبتت ، فخرج فـيه عناقـيد فعصرتهن ، ثم سقـيتهنّ الـملك ، فقال : تـمكث فـي السجن ثلاثة أيام ، ثم تـخرج فتسقـيه خمراً . وقوله : { وَقالَ الآخَرُ إنْـي أرَانِـي أحْمِلُ فَوْقَ رأسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بتأْوِيـلهِ } يقول تعالـى ذكره : وقال الآخر من الفتـيـين : إنـي أرانـي فـي منامي أحمل فوق رأسي خبزاً يقول : أحمل علـى رأسي ، فوضعت « فوق » مكان « علـى » { تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ } يعنـي من الـخبز . وقوله : { نَبِّئْنا بتَأْوِيـلِهِ } يقول : أخبرنا بـما يؤول إلـيه ما أخبرناك أنا رأيناه فـي منامنا ويرجع إلـيه . كما : حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا يزيد ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { نَبِّئْنا بتَأْوِيـلِهِ } قال : به . قال الـحارث ، قال أبو عبـيد : يعنـي مـجاهد : أن تأويـل الشيء : هو الشيء . قال : ومنه تأويـل الرؤيا ، إنـما هو الشيء الذي تئول إلـيه . وقوله : { إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ } اختلف أهل التأويـل فـي معنى الإحسان الذي وصف به الفتـيان يوسف ، فقال بعضهم : هو أنه كان يعود مريضهم ، ويعزي حزينهم ، وإذا احتاج منهم إنسان جمَع له . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا سعيد بن منصور ، قال : ثنا خـلف بن خـلـيفة ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : كنت جالسا معه ببلـخ ، فسئل عن قوله : { نَبِّئْنا بَتأْوِيـلِهِ إنَّا نَرَاكَ مِن الـمُـحْسِنِـينَ } قال : قـيـل له : ما كان إحسان يوسف ؟ قال : كان إذا مرض إنسان قام علـيه ، وإذا احتاج جمع له ، وإذا ضاق أوسع له . حدثنا إسحاق ، عن أبـي إسرائيـل ، قال : ثنا خـلف بن خـلـيفة ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك ، قال : سأل رجل الضحاك عن قوله : { إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ } ما كان إحسانه ؟ قال : كان إذا مرض إنسان فـي السجن قام علـيه ، وإذا احتاج جمع له ، وإذا ضاق علـيه الـمكان أوسع له . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر بن عبد الله ، عن قتادة ، قوله : { إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ } قال : بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم ، ويعزّي حزينهم ، ويجتهد لربه . وقال : لـما انتهى يوسف إلـى السجن وجد فـيه قوما قد انقطع رجاؤهم واشتدّ بلاؤهم ، فطال حزنهم ، فجعل يقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، إن لهذا أجراً ، إن لهذا ثوابـاً فقالوا : يا فتـى بـارك الله فـيك ما أحسن وجهك وأحسن خـلقك ، لقد بورك لنا فـي جوارك ، ما نـحبّ أنا كنا فـي غير هذا منذ حبسنا لـما تـخبرنا من الأجر والكفَّـارة والطهارة ، فمن أنت يا فتـى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفـيّ الله يعقوب ابن ذبـيح الله إسحاق بن إبراهيـم خـلـيـل الله . وكانت علـيه مـحبة ، وقال له عامل السجن : يا فتـى والله لو استطعت لـخـلـيت سبـيـلك ، ولكن سأحسن جوارك وأحسن إسارك ، فكن فـي أيّ بـيوت السجن شئت . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن خـلف الأشجعي ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك فـي : { إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ } قال : كان يوسع للرجل فـي مـجلسه ، ويتعاهد الـمرضى . وقال آخرون : معناه : { إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ } إذ نبأتنا بتأويـل رؤيانا هذه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : استفتـياه فـي رؤياهما ، وقالا له : { نَبَئِّنْا بتَأْوِيـلِهِ إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ } إن فعلت . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة . فإن قال قائل : وما وجه الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت ، وقد علـمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويـل رؤياهما لـيست من الـخبر عن صفته بأنه يعود الـمريض ويقوم علـيه ويحسن إلـى من احتاج فـي شيء ، وإنـما يقال للرجل : نبئنا بتأويـل هذا فإنك عالـم ، وهذا من الـمواضع التـي تـحسن بـالوصف بـالعلـم لا بغيره ؟ قـيـل : إن وجه ذلك أنهما قالا له : نبئنا بتأويـل رؤيانا مـحسناً إلـينا فـي إخبـارك إيانا بذلك ، كما نراك تـحسن فـي سائر أفعالك ، إنا نراك من الـمـحسنـين .