Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 80-80)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي تعالـى ذكره : { فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ } فلـما يئسوا منه من أن يخـلـى يوسف عن بنـيامين ويأخذ منهم واحداً مكانه وأن يجيبهم إلـى ما سألوه من ذلك . وقوله : { اسْتَـيْأَسُوا } استفعلوا ، من يئس الرجل من كذا يـيأس . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { فَلَـمَّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ } يئسوا منه ورأوا شدّته فـي أمره . وقوله : { خَـلَصُوا نَـجِيًّا } يقول بعضهم لبعض : يتناجون ، لا يختلط بهم غيرهم . والنـجيّ جماعة القوم الـمنتـجين يسمى به الواحد والـجماعة ، كما يقال : رجل عدل ورجال عدل ، وقوم زور وفطر ، وهو مصدر من قول القائل : نـجوت فلاناً أنـجوه نـجيًّا ، جعل صفة ونعتاً . ومن الدلـيـل علـى أن ذلك كما ذكرنا قول الله تعالـى : { وَقَرَّبْناهُ نَـجِيًّا } فوصف به الواحد ، وقال فـي هذا الـموضع : { خَـلَصوا نَـجِيًّا } فوصف به الـجماعة ، ويجمع النَّـجِيّ أنـجية ، كما قال لبـيد : @ وشَهدْتُ أنْـجِيَةَ الأُفـاقَةِ عالِـياً كَعْبِـي وأرْدَافُ الـمُلُوكِ شُهُودُ @@ وقد يقال للـجماعة من الرجال : نـجوى ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَإذْ هُمْ نَـجْوَى } وقال : { ما يَكُونُ مِنْ نَـجْوَى ثَلاثَةٍ } وهم القوم الذين يتناجون . وتكون النـجوى أيضاً مصدراًكما قال الله : { وإنَّـمَا النَّـجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ } تقول منه : نـجوت أنـجو نـجوى ، فهي فـي هذا الـموضع : الـمناجاة نفسها ، ومنه قول الشاعر : @ بُنَـيَّ بَدَا خِبُّ نَـجْوَى الرّجالِ فَكُنْ عِنْدَ سِرّكَ خَبَّ النَّـجِي @@ فـالنـجوى والنـجيّ فـي هذا البـيت بـمعنى واحد ، وهو الـمناجاة ، وقد جمع بـين اللغتـين . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله : { خَـلَصُوا نَـجِيًّا } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمرو ، عن أسبـاط ، عن السديّ : { فَلَـمَّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ خَـلَصُوا نَـجِيًّا } وأخـلص لهم شمعون ، وقد كان ارتهنه ، خَـلَوْا بـينهم نـجيًّا يتناجون بـينهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { خَـلَصُوا نَـجِيًّا } خـلصوا وحدهم نـجيًّا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { خَـلَصُوا نَـجِيًّا } : أي خلا بعضهم ببعض ، ثم قالوا : ماذا ترون . وقوله : { قالَ كَبِـيرُهُمْ } اختلف أهل العلـم فـي الـمعنـيّ بذلك ، فقال بعضهم : عنى به كبـيرهم فـي العقل والعلـم ، لا فـي السنّ ، وهو شمعون ، قالوا : وكان روبـيـل أكبر منه فـي الـميلاد . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله تعالـى : { قالَ كَبـيرُهُمْ } قال : هو شمعون الذي تـخـلف ، وأكبر منه ، وأكبر منهم فـي الـميلاد روبـيـل . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { قالَ كَبـيرهُمْ } : شمعون الذي تـخـلف ، وأكبر منه فـي الـميلاد روبـيـل . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبـير ، عن سفـيان ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : { قالَ كَبـيرُهُمْ } قال : شمعون الذي تـخـلف ، وأكبرهم فـي الـميلاد روبـيـل . وقال آخرون : بل عَنَى به كبـيرهم فـي السنّ وهو روبـيـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا زيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { قالَ كَبـيرُهُمْ } وهو روبـيـل أخو يوسف ، وهو ابن خالته ، وهو الذي نهاهم عن قتله . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { قالَ كَبـيرهُمْ } قال : رُوبـيـل ، وهو الذي أشار علـيهم أن لا يقتلوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمرو ، عن أسبـاط ، عن السديّ : { قالَ كَبـيرُهُمْ } فـي العلـم { أنَّ أبـاكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكُمْ مَوْثقاً مِنَ اللّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُـمْ فِـي يُوسُفَ فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ … } الآية ، فأقام روبـيـل بـمصر ، وأقبل التسعة إلـى يعقوب فأخبروه الـخبر ، فبكى وقال : يا بنـيّ ما تذهبون مرّة إلاَّ نقصتـم واحداً ، ذهبتـم مرّة فنقصتـم يوسف ، وذهبتـم الثانـية فنقصتـم شمعون ، وذهبتـم الآن فنقصتـم روبـيـل . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { فَلَـمَّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ خَـلَصُوا نَـجِيًّا } قال : ماذا ترون ؟ فقال رُوبـيـل كما ذُكر لـي ، وكان كبـير القوم : { ألَـمْ تَعْلَـمُوا أنَّ أبـاكمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكمْ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِـي بِهِ إلاَّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُـمْ فِـي يُوسُفَ … } الآية . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة قول من قال : عنى بقوله : { قالَ كَبـيرُهُمْ } رُوبـيـل لإجماع جميعهم علـى أنه كان أكبرهم سنًّا ، ولا تفهم العرب فـي الـمخاطبة إذا قـيـل لهم : فلان كبـير القوم مطلقاً بغير وصل إلاَّ أحد معنـيـين ، إما فـي الرياسة علـيهم والسؤدد وإما فـي السنّ ، فأما فـي العقل فإنهم إذا أرادوا ذلك وصلوه ، فقالوا : هو كبـيرهم فـي العقل ، فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك فلا يفهم إلاَّ ما ذكرت . وقد قال أهل التأويـل : لـم يكن لشمعون وإن كان قد كان من العلـم والعقل بـالـمكان الذي جعله الله به علـى إخوته رياسة وسؤدد ، فـيعلـم بذلك أنه عنى بقوله : { قالَ كَبِـيرُهُمْ } فإذا كان ذلك كذلك فلـم يبق إلاَّ الوجه الآخر ، وهو الكبر فـي السنّ ، وقد قال الذين ذكرنا جميعاً : رُوبـيـل كان أكبر القوم سنًّا ، فصحّ بذلك القول الذي اخترناه . وقوله : { ألَـمْ تَعْلَـمُوا أنَّ أبـاكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ } يقول : ألـم تعلـموا أيها القوم أن أبـاكم يعقوب قد أخذ علـيكم عهود الله ومواثـيقه لنأتـينه به جميعاً ، إلاَّ أن يُحاط بكم ، ومن قبل فعلتكم هذه تفريطكم فـي يوسف يقول : أو لـم تعلـموا من قبل هذا تفريطكم فـي يوسف . وإذا صرف تأويـل الكلام إلـى هذا الذي قلناه ، كانت « ما » حينئذٍ فـي موضع نصب . وقد يجوز أن يكون قوله : { وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُـمْ فِـي يُوسُفَ } خبراً مبتدأ ، ويكون قوله : { ألَـمْ تَعْلَـمُوا أنَّ أبـاكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكُمْ مَوْثِقا مِنَ اللّهِ } خبراً متناهياً ، فتكون « ما » حينئذٍ فـي موضع رفع ، كأنه قـيـل : ومن قبل هذا تفريطكم فـي يوسف ، فتكون « ما » مرفوعة ب « من » قبل هذا ، ويجوز أن تكون « ما » التـي تكون صلة فـي الكلام ، فـيكون تأويـل الكلام : ومن قبل هذا تفريطكم فـي يوسف . وقوله : { فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ } التـي أنا بها وهي مصر فأفـارقها ، { حتـى يَأْذَنَ لـي أبـي } بـالـخروج منها ، كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ } التـي أنا بها الـيوم ، { حتـى يَأْذَنَ لـي أبِـي } بالخروج منها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قال شمعون : { لَنْ أبْرَحَ الأرْضَ حتـى يَأْذَنَ لـي أبِـي أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لـي وَهُوَ خَيْرُ الـحاكمِينَ } . وقوله : { أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لـي } : أو يقضَي لـي ربـي بـالـخروج منها وترك أخي بنـيامين ، وإلاَّ فإنـي غير خارج : { وَهُوَ خَيْرُ الـحاكمينَ } يقول : والله خير من حكم وأعدل من فصَل بـين الناس . وكان أبو صالـح يقول فـي ذلك بـما : حدثنـي الـحسين بن يزيد السبـيعيّ ، قال : ثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح فـي قوله : { حتـى يَأْذَنَ لـي أبِـي أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لـي } قال : بـالسيف . وكأن أبـا صالـح وجه تأويـل قوله : { أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لـي } إلـى : أو يفضي الله لـي بِحَربَ مَنْ منعنـي من الانصراف بأخي بنـيامين إلـى أبـيه يعقوب ، فأحاربه .