Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بـالله مَنْ ربّ السموات والأرض ومدبرها ، فإنهم سيقولون الله . وأمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يقول الله ، فقال له : قل يا مـحمد : رَبُّها الذي خـلقها وأنشأها ، هو الذي لا تصلـح العبـادة إلاَّ له ، وهو الله . ثم قال : فإذا أجابوك بذلك فقل لهم : أفـاتـخذتـم من دون ربّ السموات والأرض أولـياء لا تـملك لأنفسها نفعاً تـجلبه إلـى نفسها ، ولا ضرًّا تدفعه عنها ، وهي إذ لـم تـملك ذلك لأنفسها ، فمن ملكه لغيرها أبعد فعبدتـموها ، وتركتـم عبـادة من بـيده النفع والضرّ والـحياة والـموت وتدبـير الأشياء كلها . ثم ضرب لهم جلّ ثناؤه مثلاً ، فقال : { قُلْ هَلْ يَسْتَوي الأعْمَى والبَصِيرُ } . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُـماتُ والنُّورُ أم جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كخَـلْقِهِ فَتَشابَه الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ } : يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين الذين عبدوا من دون الله الذي بـيده نفعهم وضرّهم ما لا ينفع ولا يضرّ : هل يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئاً ولا يهتدي لِـمَـحَجَّة يسلكها إلاَّ بأن يُهْدَى ، والبصير الذي يَهدِي الأعمى لـمـحجة الطريق الذي لا يبصر ؟ إنهما لا شكّ لَغَير مستويـين يقول : فكذلك لا يستوي الـمؤمن الذي يبصر الـحقّ فـيتبعه ويعرف الهدى فـيسلكه وأنتـم أيها الـمشركون الذين لا تعرفون حقًّا ولا تبصرون رشداً . وقوله : { أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُـماتُ والنُّورُ } يقول تعالـى ذكره : وهل تستوي الظلـمات التـي لا تُرَى فـيها الـمَـحَجَّة فتُسْلك ولا يُرى فـيها السبـيـلُ فـيركب ، والنور الذي يُبصَرُ به الأشياء ويجلو ضوءُه الظلام ؟ يقول : إن هذين لا شكّ لَغير مستويـين ، فكذلك الكفر بـالله ، إنـما صاحبه منه فـي حَيْرة يضرب أبداً فـي غمْرة لا يرجع منه إلـى حقـيقة ، والإيـمان بـالله صاحبه منه فـي ضياء يعمل علـى علـم بربه ومعرفة منه بأن له مثـيبـاً يثـيبه علـى إحسانه ومعاقبـاً يعاقبه علـى إساءته ورازقاً يرزقه ونافعاً ينفعه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُـماتُ والنُّورُ } أما الأعمى والبصير فـالكافر والـمؤمن وأما الظلـمات والنور فـالهُدى والضلالة . وقوله : { أمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كَخَـلْقِهِ فَتَشابَهَ الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد لهؤلاء المشركين : أخلق أوثانكم التـي اتخذتموها أولياء من دون الله كخـلق الله فـاشتبه عليكم أمرها فـيـما خـلَقت وخـلق الله فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك ، أم إنما بكم الـجهل والذهاب عن الصواب ؟ فإنه لا يشكل علـى ذي عقل أن عبـادة ما لا يضرّ ولا ينفع من الفعل جهل ، وأن العبـادة إنـما تصلـح للذي يُرجَى نفعه ويخشى ضُرّه ، كما أن ذلك غير مُشكل خطؤه وجهل فـاعله ، كذلك لا يُشكل جهل من أشرك فـي عبـادة من يرزقه ويكفله ويَـمونُه من لا يقدر له علـى ضرر ولا نفع . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { أمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كخَـلْقِهِ } حملهم ذلك علـى أن شكوا فـي الأوثان . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : { أمْ جَعَلُوا لِلّه شُرَكاءَ خَـلَقُوا كَخَـلْقِهِ فَتَشابَهَ الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ } خَـلَقوا كخـلقه ، فحملهم ذلك علـى أَن شكوا فـي الأوثان . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن كثـير : سمعت مـجاهداً يقول : { أمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كخَـلْقِهِ فَتَشابَهَ الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ } ضربت مثلاً . وقوله : { قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الـمشركين إذا أقرّوا لك أن أوثانهم التـي أشركوها فـي عبـادة الله لا تـخـلق شيئاً ، فـالله خالقكم وخالق أوثانكم وخـلق كلّ شيء ، فما وجه إشراككم ما لا تـخـلق ولا تضرّ . وقوله : { وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ } يقول : وهو الفرد الذي لا ثانـي له ، القهار الذي يستـحقّ الألوهة والعبـادة ، لا الأصنام والأوثان التـي لا تضرّ ولا تنفع .