Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 13-14)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول عزّ ذكره : وقال الذين كفروا بـالله لرسلهم الذين أرسلوا إلـيهم حين دعوهم إلـى توحيد الله وإخلاص العبـادة له وفراق عبـادة الآلهة والأوثان : { لَنُـخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أرْضِنا } يعنون : من بلادنا ، فنطردكم عنها . { أوْ لَتَعُودُنَّ فـي ملَّتِنا } يعنون : إلا أن تعودوا فـي ديننا الذي نـحن علـيه من عبـادة الأصنام . وأدخـلت فـي قوله : { لَتَعُودُنَّ } لام ، وهو فـي معنى شرط ، كأنه جواب للـيـمين . وإنـما معنى الكلام : لنـحرجنَّكم من أرضنا أو تعودنّ فـي ملتنا ، ومعنى « أو » ههنا معنى « إلا » أو معنى « حتـى » كما يقال فـي الكلام : لأضربنك أو تقرّ لـي ، فمن العرب من يجعل ما بعد « أو » فـي مثل هذا الـموضع عطفـاً علـى ما قبله ، إن كان ما قبله جزماً جزموه ، وإن كان نصبـاً نصبوه ، وإن كان فـيه لام جعلوا فـيه لاماً ، إذ كانت « أو » حرف نَسق . ومنهم من ينصب « ما » بعد « أو » بكل حال ، لـيعلـم بنصبه أنه عن الأوّل منقطع عما قبله ، كما قال امرؤ القـيس : @ بَكَى صَاحِبي لَمَّا رأى الدَّرْبَ دُونَهُ وأيْقَنَ أنَّا لاحِقانِ بقَـيْصَرَا فَقُلْتُ لَهُ : لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّـما نـحاوِلُ مُلْكاً أو نَـمُوتَ فَنُعْذَرَا @@ فنصب « نموتَ فنعذرا » وقد رفع « نـحاولُ » ، لأنه أراد معنى : إلا أن نـموت ، أو حتـى نـموت ، ومنه قول الآخر : @ لا أسْتَطِيعُ نُزُوعاً عَنْ مَوَدّتِها أو يَصْنَعُ الحُبُّ بي غيرَ الَّذِي صَنَعا @@ وقوله : { فَأَوحَى إلَـيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِـمِينَ } الذين ظلـموا أنفسهم ، فأوجبوا لها عقاب الله بكُفرهم وقد يجوز أن يكون قـيـل لهم : الظالـمون لعبـادتهم ، مَنْ لا تـجوز عبـادته من الأوثان والآلهة ، فـيكون بوضعهم العبـادة فـي غير موضعها إذ كان ظلـماً سُموا بذلك ظالـمين . وقوله : { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ } هذا وعد من الله مَن وَعَد من أنبـيائه النصر علـى الكفرة به من قومه ، يقول : لـما تـمادت أمـم الرسل فـي الكفر ، وتوعَّدوا رسلهم بـالوقوع بهم ، أوحى الله إلـيهم بإهلاك من كفر بهم من أمـمهم ووعدهم النصر . وكلّ ذلك كان من الله وعيداً وتهديداً لـمشركي قوم نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى كفرهم به وجراءتهم علـى نبـيه ، وتثبـيتاً لـمـحمد صلى الله عليه وسلم وأمراً له بـالصبر علـى ما لقـي من الـمكروه فـيه من مشركي قومه ، كما صبر من كان قبله من أولـي العز من رسله ، ومعرِّفَهُ أن عاقبة أمر من كفر به الهلاك وعاقبته النصر علـيهم ، { سُنَّةَ اللّهِ فـي الَّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلُ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيدُ ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلَنُسْكنَنَّكُمْ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ } قال : وعدهم النصر فـي الدنـيا ، والـجنة فـي الآخرة . وقوله : { ذلكَ لِـمَنْ خافَ مَقامي وَخافَ وَعِيدِ } يقول جلّ ثناؤه : هكذا فِعْلـى لـمن خاف مقامه بـين يديّ ، وخاف وعيدي فـاتقانـي بطاعته وتـجنب سخطي ، أنصره علـى من أراد به سوءاً وبغاه مكروهاً من أعدائي ، أُهلك عدوّه وأخزيه وأورثه أرضه ودياره . وقال : { لِـمَنْ خافَ مَقامي } ومعناه ما قلت من أنه لـمن خاف مقامه بـين يديّ بحيث أقـيـمه هنالك للـحساب ، كمَا قال : { وَتَـجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } معناه : وتـجعلون رزقـي إياكم أنكم تكذبون ، وذلك أن العرب تضيف أفعالها إلـى أنفسها ، وإلـى ما أوقعت علـيه ، فتقول : قد سررت برؤيتك وبرؤيتـي إياك ، فكذلك ذلك .