Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 34-34)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكْره : وأعطاكم مع إنعامه علـيكم بـما أنعم به علـيكم من تسخير هذه الأشياء التـي سخرها لكم والرزق الذي رزقكم من نبـات الأرض وغروسها من كلّ شيء سألتـموه ورغبتـم إلـيه شيئاً . وحذف الشيء الثانـي اكتفـاءً بـ « ما » التـي أضيفت إلـيها « كلّ » وإنـما جاز حذفه ، لأن « مِن » تُبعِّض ما بعدها ، فكفت بدلالتها علـى التبعيض من الـمفعول ، فلذلك جاز حذفه ، ومثله قوله تعالـى : { وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ } يعنـي به : وأوتـيت من كلّ شيء فـي زمانها شيئاً . وقد قـيـل : إن ذلك إنـما قـيـل علـى التكثـير ، نـحو قول القائل : فلان يعلـم كلّ شيء ، وأتاه كل الناس ، وهو يعنـي بعضهم ، وكذلك قوله : { فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ أبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } . وقـيـل أيضاً : إنه لـيس شيء إلاَّ وقد سأله بعض الناس ، فقـيـل : { وآتاكُمْ مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ } أي قد آتـى بعضكم منه شيئاً ، وآتـى آخر شيئاً مـما قد سأله . وهذا قول بعض نـحويّى أهل البصرة . وكان بعض نـحويَّـي أهل الكوفة يقول : معناه : وأتاكم من كلّ ما سألتـموه لو سألتـموه ، كأنه قـيـل : وآتاكم من كلّ سؤلكم وقال : ألا ترى أنك تقول للرجل لـم يسألك شيئاً : والله لأعطينك سُؤْلك ما بلغت مسألتك وإن لـم يسأل ؟ فأما أهل التأويـل ، فإنهم اختلفوا فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وآتاكم من كلّ ما رغبتـم إلـيه فـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد : { مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ } ورغبتـم إلـيه فـيه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حُذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد وحدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن الـحسن : { وآتاكُمْ مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ } قال : من كلّ الذي سألتـموه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وآتاكم من كل الذي سألتـموه والذي لـم تسألوه . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا خـلف ، يعنـي ابن هشام ، قال : ثنا مـحبوب ، عن داود بن أبـي هند ، عن رُكانة بن هاشم : { مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوه } وقال : ما سألتـموه وما لـم تسألوه . وقرأ ذلك آخرون : « وآتاكُمْ مِلْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ » بتنوين « كلّ » وترك إضافتها إلـى « ما » بـمعنى : وآتاكم من كلّ شيء لـم تسألوه ولـم تطلبوه منه . وذلك أن العبـاد لـم يسألوه الشمس والقمر واللـيـل والنهار ، وخـلق ذلك لهم من غير أن يسألوه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي أبو حُصَين ، عبد الله بن أحمد بن يونُس ، قال : ثنا بَزِيع ، عن الضحاك بن مُزاحم فـي هذه الآية : { وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ } قال : ما لـم تسألوه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبـيد ، عن الضحاك أنه كان يقرأ : { مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ } ويفسره : أعطاكم أشياء ما سألتـموها ولـم تلتـمسوها ، ولكن أعطيتكُم برحمتـي وسعتـي . قال الضحاك : فكم من شيء أعطانا الله ما سألنا ولا طلبناه . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سَألْتُـمُوهُ } يقول : أعطاكم أشياء ما طلبتـموها ولا سألتـموها ، صدق الله كم من شيء أعطاناه الله ما سألناه إياه ولا خطر لنا علـى بـال . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ } قال : لـم تسألوه من كلّ الذي آتاكم . والصواب من القول فـي ذلك عندنا ، القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار ، وذلك إضافة « كل » إلـى « ما » بـمعنى : وآتاكم من سؤلكم شيئاً ، علـى ما قد بـيَّنا قبل ، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها ورفضهم القراءة الأخرى . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُـحْصُوها إنَّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّـارٌ } . يقول تعالـى ذكره : وإن تعدّوا أيها الناس نعمة الله التـي أنعمها علـيكم لا تطيقوا إحصاء عددها والقـيام بشكرها إلاَّ بعون الله لكم علـيها . { إنَّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّـارٌ } يقول : إن الإنسان الذي بدّل نعمة الله كفراً لظَلُومٌ : يقول : لشاكر غير من أنعم علـيه ، فهو بذلك من فعله واضع الشكر فـي غير موضعه وذلك أن الله هو الذي أنعم علـيه بـما أنعم واستـحقّ علـيه إخلاص العبـادة له ، فعبد غيره وجعل له أنداداً لـيضلّ عن سبـيـله ، وذلك هو ظلـمه . وقوله : { كَفَّـارٌ } يقول : هو جحود نعمة الله التـي أنعم بها علـيه لصرفه العبـادة إلـى غير من أنعم علـيه ، وتركه طاعة من أنعم علـيه . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : ثنا مِسْعَر ، عن سعد بن إبراهيـم ، عن طلق بن حبـيب ، قال : إن حقّ الله أثقل من أن تقوم به العبـاد ، وإن نعم الله أكثر من أن تـحصيهَا العبـاد ولكن أصبِحوا تَوّابـين وأمسُوا توّابـين .