Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 37-37)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقال إبراهيـم خـلـيـل الرحمن هذا القول حين أسكن إسماعيـل وأمه هاجَرَ فـيـما ذُكِر مكة . كما : حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم والـحسن بن مـحمد قالا : ثنا إسماعيـل بن إبراهيـم ، عن أيوب ، كما قال : نبئت عن سعيد بن جبـير ، أنه حدث عن ابن عبـاس ، قال : إنّ أوّل من سَعى بـين الصَّفـا والـمروة لأمُّ إسماعيـل وإن أوّل ما أحدث نساء العرب جرّ الذيول لـمن أمّ إسماعيـل . قال : لـما فرّت من سارة ، أَرْخَتْ من ذيـلها لتعفـي أثرها ، فجاء بها إبراهيـم ومعها إسماعيـل حتـى انتهى بهما إلـى موضع البـيت ، فوضعهما ثم رجع ، فـاتبعته ، فقالت : إلـى أيّ شيء تكلنا ؟ إلـى طعام تكلنا ؟ إلـى شراب تكلنا ؟ فجعل لا يردّ علـيها شيئاً ، فقالت : آلله أمرك بهذا ؟ قال نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا . قال : فرجعت ومضى حتـى إذا استوى علـى ثنـية كَدَاء ، أقبل علـى الوادي فدعا ، فقال : { رَبّ إنّـي أسْكَنْتُ منْ ذُريَّتِـي بَوادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِكَ الـمُـحَرَّمِ رَبَّنا لِـيُقِـيـمُوا الصَّلاةَ فـاجْعَلْ أفْئِدَةً منَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهمْ وَارْزُقْهُمْ منَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } قال : ومع الإنسانة شَنَّة فـيها ماء ، فنفِد الـماء فعطشت وانقطع لبنها ، فعطش الصبـيّ ، فنظرت أيّ الـجبـال أدنى من الأرض ، فصعِدَت بـالصفـا ، فتسمعت هل تسمع صوتاً أو ترى أنـيساً فلـم تسمع ، فـانـحدرت ، فلـما أتت علـى الوادي سعت وما تريد السعي ، كالإنسان الـمـجهود الذي يسعى وما يريد السعي ، فنظرت أيّ الـجبـال أدنى من الأرض ، فصَعِدت الـمروة فتسمعت هل تسمع صوتاً ، أو ترى أنـيساً فسمعت صوتاً ، فقالت كالإنسان الذي يكذّب سمعه : صه حتـى استـيقنت ، فقالت : قد أسمعتنـي صوتك فأغثنـي ، فقد هلكتُ وهلك من معي فجاء الـمَلك فجاء بها حتـى انتهى بها إلـى موضع زمزم ، فضرب بقدمه ففـارت عيناً ، فعجلت الإنسانة فجعلت فـي شَنَّتها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رَحِمَ اللّهُ أُمَّ إسْماعيـلَ لَوْلا أنَّها عَجِلَتْ لَكانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيناً " . وقال لها الـملك : لا تـخافـي الظمأ علـى أهل هذا البلد ، فإنـما هي عين لشرب ضِيفـان الله . وقال : إن أبـا هذا الغلام سيجيء ، فـيبنـيان لله بـيتاً هذا موضعه . قال : ومرّت رفقة من جُرهم تريد الشام ، فرأوا الطير علـى الـجبل ، فقالوا : إن هذا الطير لعائف علـى ماء ، فهل علـمتـم بهذا الوادي من ماء ؟ فقالوا : لا . فأشرفوا فإذا هم بـالإنسانة ، فأتوها فطلبوا إلـيها أن ينزلوا معها ، فأذنت لهم . قال : وأتـى علـيها ما يأتـي علـى هؤلاء الناس من الـموت ، فماتت ، وتزوّج إسماعيـل امرأة منهم ، فجاء إبراهيـم فسأل عن منزل إسماعيـل حتـى دُلّ علـيه ، فلـم يجده ، ووجد امرأة له فظة غلـيظة ، فقال لها : إذا جاء زوجك فقولـي له : جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا ، وإنه يقول لك : إنـي لا أرضى لك عتَبَة بـابك فحوِّلها وانطلق فلـما جاء إسماعيـل أخبرته ، فقال : ذاك أبـي وأنت عتبة بـابـي ، فطلقَها وتزوّج امرأة أخرى منهم . وجاء إبراهيـم حتـى انتهى إلـى منزل إسماعيـل ، فلـم يجده ، ووجد امرأة له سهلة طلـيقة ، فقال لها : أين انطلق زوجك ؟ فقالت : انطلق إلـى الصيد ، قال : فما طعامكم ؟ قالت : اللـحم والـماء ، قال : اللهمّ بـارك لهم فـي لـحمهم ومائهم اللهمّ بـارك لهم فـي لـحمهم ومائهم ثلاثاً . وقال لها : إذا جاء زوجك فأخبريه ، قولـي : جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا ، وإنه يقول لك : قد رضيت لك عتبة بـابك ، فأثْبِتْها فلـما جاء إسماعيـل أخبرته . قال : ثم جاء الثالثة ، فرفعا القواعد من البـيت . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنـي يحيى بن عبـاد ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : جاء نبـيّ الله إبراهيـم بإسماعيـل وهاجر ، فوضعهما بـمكة فـي موضع زمزم فلـما مضى نادته هاجر : يا إبراهيـم إنـما أسألك ثلاث مرات : من أمرك أن تضعنـي بأرض لـيس فـيها ضَرْع ولا زرع ولا أنـيس ولا زاد ولا ماء ؟ قال : ربـي أمرنـي ، قالت : فإنه لن يضيِّعنا . قال : فلـما قـفـا إبراهيـم قال : { رَبَّنا إنَّكَ تَعْلَـمُ ما نُـخْفِـي وَما نُعْلِنُ } يعنـي من الـحزن { وَما يَخْفَـى علـى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِـي الأرْضِ وَلا فِـي السَّماءِ } فلـما ظمىء إسماعيـل جعل يَدْحَض الأرض بعقبه ، فذهبت هاجر حتـى علت الصفـا ، والوادي يومئذٍ لاخ يعنـي عميق فصعدت الصفـا ، فأشرفت لتنظر هل ترى شيئاً فلـم تر شيئاً ، فـانـحدرت فبلغت الوادي ، فسعت فـيه حتـى خرجت منه ، فأتت الـمروة ، فصعدت فـاستشرفت هل تر شيئاً ، فلـم تر شيئاً . ففعلت ذلك سبع مرّات ، ثم جاءت من الـمروة إلـى إسماعيـل ، وهو يَدْحَض الأرض بقَعْبه ، وقد نبعت العين وهي زمزم . فجعلت تفحص الأرض بـيدها عن الـماء ، فكلـما اجتـمع ماء أخذته بقدحها ، وأفرغته فـي سقائها . قال : فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " يَرْحَمُها اللّهُ لَوْ تَرَكَتْها لَكانَتْ عَيْناً سائِحَةً تَـجْرِي إلـى يَوْمِ القـيامَةِ " . قال : وكانت جُرهُمُ يومئذٍ بواد قريب من مكة قال : ولزمت الطير الوادي حين رأت الـماء فلـما رأت جرهم الطير لزمت الوادي ، قالوا : ما لزِمته إلاَّ وفـيه ماء ، فجاءوا إلـى هاجَر ، فقالوا : إن شئت كنا معك وآنسناك والـماء ماؤك ، قالت : نعم . فكانوا معها حتـى شبّ إسماعيـل ، وماتت هاجر فتزوّج إسماعيـل امرأة منهم قال : فـاستأذن إبراهيـم سارة أن يأتـي ، هاجر ، فأذنت له وشرطت علـيه أن لا ينزل ، فقدم إبراهيـم وقد ماتت هاجر ، فذهب إلـى بـيت إسماعيـل ، فقال لامرأته : أين صاحبك ؟ قالت : لـيس ههنا ذهب يتصيد ، وكان إسماعيـل يخرج من الـحرم فـيتصيد ثم يرجع ، فقال إبراهيـم : هل عندك ضيافة ، هل عندك طعام أو شراب ؟ قالت : لـيس عندي ، وما عندي أحد . فقال إبراهيـم : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولـي له : فلـيغير عتبة بـابه وذهب إبراهيـم ، وجاء إسماعيـل ، فوجد ريح أبـيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ فقالت : جاءنـي شيخٌ كذا وكذا ، كالـمستـخفة بشأنه ، قال : فما قال لكِ ؟ قالت : قال لـي : أقرئي زوجك السلام وقولـي له : فلـيغير عتبة بـابه ، فطلقها وتزوّج أخرى . فلبث إبراهيـم ما شاء الله أن يـلبث ، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيـل ، فأذنت له ، وشرطت علـيه أن لا ينزل ، فجاء إبراهيـم حتـى انتهى إلـى بـاب إسماعيـل ، فقال لامرأته : أين صاحبك ؟ قالت : ذهب يصيد ، وهو يجيء الآن إن شاء الله ، فـانزل يرحمك الله قال لها : هل عندك ضيافة ؟ قالت : نعم ، قال : هل عندك خبز أو برّ أو تـمر أو شعير ؟ قالت : لا . فجاءت بـاللبن واللـحم ، فدعا لهما بـالبركة ، فلو جاءت يومئذٍ بخبز أو برّ أو شعير أو تـمر لكانت أكثر أرض الله برًّا وشعيراً وتـمراً ، فقالت له : انزل حتـى أغسل رأسك فلـم ينزل ، فجاءته بـالـمقام فوضعته عن شقه الأيـمن ، فوضع قدمه علـيه ، فبقـي أثر قدمه علـيه ، فغسلت شقّ رأسه الأيـمن ، ثم حوّلت الـمقام إلـى شقه الأيسر فغسلت شقه الأيسر ، فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام ، وقولـي له : قد استقامت عتبة بـابك فلـما جاء إسماعيـل وجد ريح أبـيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ فقالت : نعم ، شيخ أحسن الناس وجهاً وأطيبه ريحاً ، فقال لـي كذا وكذا ، وقلت له كذا وكذا ، وغسلتُ رأسه ، وهذا موضع قدمه علـى الـمقام . قال : وما قال لك ؟ قالت : قال لـي : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولـي له : قد استقامت عتبة بـابك ، قال : ذاك إبراهيـم ، فلبث ما شاء الله أن يـلبث ، وأمره الله ببناء البـيت ، فبناه هو وإسماعيـل فلـما بنـياه قـيـل : أذّن فـي الناس بـالـحجّ فجعل لا يـمرّ بقوم إلاَّ قال : أيها الناس إنه قد بنـي لكم بـيت فحجوه ، فجعل لا يسمعه أحد ، صخرة ولا شجرة ولا شيء ، إلاَّ قال : لبـيك اللهمّ لبـيك . قال : وكان بـين قوله : { رَبَّنَا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيَّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْد بَـيْتِكَ الـمُـحَرَّمِ } وبـين قوله : { الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لـي علـى الكِبَرِ إسْماعِيـلَ وإسْحاقَ } كذا وكذا عاماً ، لـم يحفظ عطاء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { رَبَّنا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيَّتِـي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِكَ الـمُـحَرَّمِ } وإنه بـيت طهَّره الله من السُّوء ، وجعله قبلة ، وجعله حَرَمه ، اختاره نبـيّ الله إبراهيـم لولده . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { غيرِ ذِي زَرْعٍ } قال : مكة لـم يكن بها زرع يومئذٍ . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي ابن كثـير ، قال القاسم فـي حديثه : قال : أخبرنـي عمرو بن كثـير « قال أبو جعفر » : فغيرته أنا فجعلته : قال أخبرنـي ابن كثـير ، وأسقطت عمراً ، لأنـي لا أعرف إنساناً يقال له عمرو بن كثـير حدّث عنه ابن جريج ، وقد حدّث به معمر عن كثـير بن كثـير بن الـمطلب بن أبـي وداعة ، وأخشى أن يكون حديث ابن جريج أيضاً عن كثـير بن كثـير ، قال : كنت أنا وعثمان بن أبـي سلـيـمان فـي أناس مع سعيد بن جبـير لـيلاً ، فقال سعيد بن جبـير للقوم : سلونـي قبل ألاَّ تسألونـي فسأله القوم فأكثروا ، وكان فـيـما سُئل عنه أن قـيـل له : أحقّ ما سمعنا فـي الـمقام ؟ فقال سعيد : ماذا سمعتـم ؟ قالوا : سمعنا أن إبراهيـم رسول الله حين جاء من الشام ، كان حلف لامرأته أن لا ينزل مكة حتـى يرجع ، فقرب له الـمقام ، فنزل علـيه . فقال سعيد : لـيس كذاك : حدثنا ابن عبـاس ، ولكنه حدثنا حين كان بـين أمّ إسماعيـل وسارة ما كان أقبل بإسماعيـل ، ثم ذكر مثل حديث أيوب غير أنه زاد فـي حديثه ، قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " وَلذلكَ طافَ النَّاسُ بـينَ الصَّفـا والـمَرْوَةِ " . ثم حدث وقال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " طَلَبُوا النُّزُولَ مَعَها وَقَدْ أحَبَّتْ أُمُّ إسْماعيـلَ الأنْسَ ، فنَزَلُوا وَبَعَثُوا إلـى أهْلِهمْ فَقَدِمُوا ، وَطَعامُهُمُ الصَّيْدُ ، يَخْرُجُونَ منَ الـحَرَمِ ويَخْرُجُ إِسْماعيـلُ مَعَهُمْ يَتَصَيَّدُ فَلَـمَّا بَلَغَ أنْكَحُوهُ ، وَقَدْ تُوُفِّـيَتْ أُمُّهُ قَبْلَ ذلكَ " . قالَ : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَـمَّا دَعا لَهُما أنْ يُبـارِكَ لَهُمْ فِـي اللَّـحْمِ والـماءِ ، قال لَهَا : هَلْ منْ حَبّ أوْ غيرِهِ منَ الطَّعامِ ؟ قالَتْ : لا ، وَلَوْ وَجَدَ يَوْمَئذٍ لَهَا حَبًّـا لَدَعا لَهَا بـالبَرَكَةِ فـيهِ " . قال ابن عبـاس : ثم لبث ما شاء الله أن يـلبث ، ثم جاء فوجد إسماعيـل قاعداً تـحت دَوْحة إلـى ناحية البئر يبرى نبلاً له ، فسلـم علـيه ونزل إلـيه ، فقعد معه وقال : يا إسماعيـل ، إن الله قد أمرنـي بأمر . قال إسماعيـل : فأطع ربك فـيـما أمرك قال إبراهيـم : أمرنـي أن أبنـي له بـيتاً . قال إسماعيـل : ابنِ قال ابن عبـاس : فأشار له إبراهيـم إلـى أكمة بـين يديه مرتفعة علـى ما حولها يأتـيها السيـل من نواحيها ، ولا يركبها . قال : فقاما يحفران عن القواعد يرفعانها ويقولان : رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِـيـمُ ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء . وإسماعيـل يحمل الـحجارة علـى رقبته ، والشيخ إبراهيـم يبنـي . فلـما ارتفع البنـيان وشقّ علـى الشيخ تناوله ، قرّب إلـيه إسماعيـل هذا الـحجَر ، فجعل يقوم علـيه ويبنـي ، ويحوله فـي نواحي البـيت حتـى انتهى . يقول ابن عبـاس : فذلك مقام إبراهيـم وقـيامه علـيه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس : { رَبَّنا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيَّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ } قال : أسكن إسماعيـل وأمه مكة . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير : { إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُريَّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ } قال : حين وضع إسماعيـل . قال أبو جعفر : فتأويـل الكلام إذن : ربنا إنـي أسكنت بعض ولدي بواد غير ذي زرع . وفـي قوله صلى الله عليه وسلم دلـيـل علـى أنه لـم يكن هنالك يومئذٍ ماء ، لأنه لو كان هنالك ماء لـم يصفه بأنه غير ذي زرع عند بـيتك الذي حرّمته علـى جميع خـلقك أن يستـحلوه . وكان تـحريـمه إياه فـيـما ذُكر كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن عمر بن الـخطاب قال فـي خطبته : إن هذا البـيت أوّل من ولـيه أناس مِن طسْم ، فعصوا ربهم واستـحلوا حرمته ، واستـخفوا بحقه ، فأهلكهم الله . ثم ولـيهم أناس من جُرهمَ فعصوا ربهم واستـحلوا حرمته واستـخفوا بحقه ، فأهلكهم الله . ثم ولـيتـموه معاشر قريش ، فلا تعصوا ربه ، ولا تستـحلوا حرمته ، ولا تستـخفوا بحقه فوالله لصلاة فـيه أحبّ إلـيّ من مئة صلاة بغيره ، واعلـموا أن الـمعاصي فـيه علـى نـحو من ذلك . وقال : { إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيَّتِـي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ } ولـم يأت بـما وقع علـيه الفعل ، وذلك أن حظّ الكلام أن يقال : إنـي أسكنت من ذريتـي جماعة ، أو رجلاً ، أو قوماً ، وذلك غير جائز مع « من » لدلالتها علـى الـمراد من الكلام ، والعرب تفعل ذلك معها كثـيراً ، فتقول : قتلنا من بنـي فلان ، وطعمنا من الكلإ ، وشربنا من الـماء ومنه قول الله تعالـى : { أنْ أفِـيضُوا عَلَـيْنا منَ الـماءِ أوْ مِـما رَزَقَكُمُ اللّهُ } فإن قال قائل : وكيف قال إبراهيـم حين أسكن ابنه مكة { إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيَّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِك الـمُـحَرَّمِ } وقد رويتَ فـي الأخبـار التـي ذكرتها أن إبراهيـم بنى البـيت بعد ذلك بـمدة ؟ قـيـل : قد قـيـل فـي ذلك أقوال قد ذكرتها فـي سورة البقرة ، منها أن معناه : عند بـيتك الـمـحرّم الذي كان قبل أن ترفعه من الأرض حين رفعته أيام الطوفـان ، ومنها : عند بـيتك الـمـحرّم الذي قد مضى فـي سابق علـمك أنه يحدث فـي هذا البلد . وقوله { الـمُـحَرَّمِ } علـى ما قاله قتادة معناه : الـمـحرّم من استـحلال حرمات الله فـيه ، والاستـخفـاف بحقه . وقوله : { رَبَّنا لِـيُقِـيـمُوا الصلاةَ } يقول : فعلت ذلك يا ربنا كي تؤدّي فرائضك من الصلاة التـي أوجبتها علـيهم فـي بـيتك الـمـحرّم . وقوله : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } يخبر بذلك تعالـى ذكره عن خـلـيـله إبراهيـم أنه سأله فـي دعائه أن يجعل قلوب بعض خـلقه تنزع إلـى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بـيته الـمـحرَّم . وذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حجّ بـيته الـحرام كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلـم ، عن عمرو بن أبـي قـيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبـير : { أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } ولو قال : « أفئدة الناس تهوي إلـيهم » لـحجت الـيهود والنصارى والـمـجوس ، ولكنه قال : { أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } فهم الـمسلـمون . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن منصور ، عن مـجاهد : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } قال : لو كانت « أفئدة الناس » لازدحمت علـيه فـارس والروم ، ولكنه « أفئدة من الناس » . حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مـجاهد : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } قال : لو قال : « أفئدة الناس تهوي إلـيهم » ، لازدحمت علـيهم فـارس والروم . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا علـيّ ، يعنـي بن الـجعد ، قال : أخبرنا جرير ، عن منصور ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الـحكم ، قال : سألت عكرمة عن هذه الآية : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } فقال : قلوبهم تهوي إلـى البـيت . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن شعبة ، عن الـحكم ، عن عكرمة وعطاء وطاووس : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } البـيت تهوي إلـيه قلوبهم يأتونه . حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا يحيى بن عبـاد ، قال : ثنا سعيد ، عن الـحكم ، قال : سألت عطاء وطاووساً وعكرمة ، عن قوله : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } قالوا : الـحجّ . حدثنا الـحسن ، قال : ثنا شبـابة وعلـيّ بن الـجعد ، قالا : أخبرنا سعيد ، عن الـحكم ، عن عطاء وطاووس وعكرمة فـي قوله : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } قال : هواهم إلـى مكة أن يحجوا . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا شعبة ، عن الـحكم ، قال : سألت طاووساً وعكرمة وعطاء ابن أبـي ربـاح ، عن قوله : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } فقالوا : اجعل هواهم الـحجّ . حدثنا الـحسن ، قال : ثنا يحيى بن عبـاد ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لو كان إبراهيـم قال : « فـاجعل أفئدة الناس تهوي إلـيهم » لـحجه الـيهود والنصارى والناس كلهم ، ولكنه قال : { أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } قال : تنزع إلـيهم . حدثنا الـحسن ، قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله . وقال آخرون : إنـما دعا لهم أن يهووا السكنى بـمكة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ } قال : إن إبراهيـم خليل الرحمن سأل الله أن يجعل أناساً من الناس يهوَوْن سكنى أو سَكْن مكة . وقوله : { وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ } يقول تعالـى ذكره : وارزقهم من ثمرات النبـات والأشجار ما رزقت سكان الأرياف والقرى التـي هي ذوات الـمياه والأنهار ، وإن كنت أسكنتهم وادياً غير ذي زرع ولا ماء . فرزقهم جلّ ثناؤه ذلك ، كما : حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، قال : قرأت علـى مـحمد بن مسلـم الطائفـي أن إبراهيـم لـما دعا للـحرم : { وَارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثمرات } نقل الله الطائف من فَلِسطين . وقوله : { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } يقول : لـيشكروك علـى ما رزقتهم وتنعم به علـيهم .