Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 110-110)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : ثم إن ربك يا مـحمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من الـمشركين ، وانتقلوا عنهم إلـى ديار أهل الإسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم ، من بعد ما فتنهم الـمشركون الذين كانوا بـين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم ، ثم جاهدوا الـمشركين بعد ذلك بأيديهم بـالسيف وبألسنتهم بـالبراءة منهم ومـما يعبدون من دون الله وصبروا علـى جهادهم { إنَّ رَبَّكَ منْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ } يقول : إن ربك من بعد فعلتهم هذه لهم لغفور ، يقول : لذو ستر علـى ما كان منهم من إعطاء الـمشركين ما أرادوا منهم من كلـمة الكفر بألسنتهم ، وهم لغيرها مضمرون وللإيـمان معتقدون ، رحيـم بهم أن يعاقبهم علـيها مع إنابتهم إلـى الله وتوبتهم . وذُكر عن بعض أهل التأويـل أن هذه الآية نزلت فـي قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا تـخـلَّفوا بـمكة بعد هجرة النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فـاشتدّ الـمشركون علـيهم حتـى فتنوهم عن دينهم ، فأيسوا من التوبة ، فأنزل الله فـيهم هذه الآية ، فهاجروا ولـحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { مَنْ كَفَرَ بـاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ } قال : ناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إلـيهم بعض أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـالـمدينة أن هاجروا ، فإنا لا نراكم منا حتـى تهاجروا إلـينا فخرجوا يريدون الـمدينة ، فأدركتهم قريش بـالطريق ، ففتنوهم وكفروا مكرهين ، ففـيهم نزلت هذه الآية . حدثنـي القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، بنـحوه . قال ابن جريج : قال الله تعالـى ذكره : { مَنْ كَفَرَ بـاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ } ثم نسخ واستثنى ، فقال : { ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ للَّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ للَّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ } ذكر لنا أنه لـما أنزل الله أن أهل مكة لا يُقبل منهم إسلام حتـى يهاجروا ، كتب بها أهل الـمدينة إلـى أصحابهم من أهل مكة . فلـما جاءهم ذلك تبـايعوا بـينهم علـى أن يخرجوا ، فإن لـحق بهم الـمشركون من أهل مكة قاتلوهم حتـى ينـجوا أو يـلـحقوا بـالله . فخرجوا فأدركهم الـمشركون ، فقاتلوهم ، فمنهم من قُتل ومنهم من نـجا ، فأنزل الله تعالـى : { ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ للَّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا … } الآية . حدثنا أحمد بن منصور ، قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : ثنا محمد بن شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم وقُتل بعض ، فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهم فاستغفروا لهم فنزلت : { إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائكَةُ ظالِمي أنْفُسِهمْ . … } إلى آخر الآية قال : وكتب إلى من بقي في مكة من المسلمين هذه الآية لا عذر لهم ، قال : فخرجوا فلحقهم المشركون ، فأعطوهم الفتنة ، فنزلت هذه الآية : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ … } إِلَى آخر الآية ، فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فخرجوا وأيسوا من كلّ خير ، ثم نزلت فيهم : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَـٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } فكتبوا إليهم بذلك : أن الله قد جعل لكم مخرجاً . فخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم ، ثم نجا من نجا وقُتل من قُتل . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن اسحاق ، قال : نزلت هذه الآية في عمَّار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد : { ثُمَّ إنَّ رَبِّكَ للَّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُم جاهَدُوا وَصَبَرُوا } . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في شأن ابن أبي سرح . ذكر من قال ذلك . حدثني ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا في سورة النحل : { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَـٰنِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ منَ ٱللَّه ولَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال { ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ للَّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } وهو عبد الله بن أبي سرح الذي الذي كان يكنب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأزله الشيطان ، فلحق بالكفار ، فأمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُقتل يوم فتح مكة ، فاستجار له أبو عمرو ، فأجاره النبيّ صلى الله عليه وسلم .