Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 26-26)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : قد مكر الذين من قبل هؤلاء الـمشركين الذين يصدّون عن سبـيـل الله من أراد اتبـاع دين الله ، فراموا مغالبة الله ببناءٍ بَنَوه ، يريدون بزعمهم الارتفـاع إلـى السماء لـحرب من فـيها . وكان الذي رام ذلك فـيـما ذُكر لنا جبـار من جبـابرة النَّبَط فقال بعضهم : هو نـمرود بن كنعان ، وقال بعضهم : هو بختنصر ، وقد ذكرت بعض أخبـارهما فـي سورة إبراهيـم . وقـيـل : إن الذي ذُكر فـي هذا الـموضع هو الذي ذكره الله فـي سورة إبراهيـم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : أمر الذين حاجّ إبراهيـم فـي ربه بإبراهيـم فأُخُرِجَ ، يعنـي من مدينته ، قال : فلقـي لوطاً علـى بـاب الـمدينة وهو ابن أخيه ، فدعاه فآمن به ، وقال : إنـي مهاجر إلـى ربـي . وحلف نـمرود أن يطلب إله إبراهيـم ، فأخذ أربعة أفراخ من فِراخ النسور ، فربـاهنّ بـاللـحم والـخبز حتـى كبرن وغلظن واستعجلن ، فربطهنّ فـي تابوت ، وقعد فـي ذلك التابوت ثم رفع لهنّ رِجلاً من لـحم ، فطرن ، حتـى إذا ذهبن فـي السماء أشرف ينظر إلـى الأرض ، فرأى الـجبـال تدبّ كدبـيب النـمل . ثم رفع لهنّ اللـحم ، ثم نظر فرأى الأرض مـحيطاً بها بحر كأنها فلكة فـي ماء . ثم رفع طويلاً فوقع فـي ظلـمة ، فلـم ير ما فوقه وما تـحته ، ففزع ، فألقـى اللـحم ، فـاتّبعته منقضَّات . فلـما نظرت الـجبـال إلـيهنّ ، وقد أقبلن منقضات وسمعت حفـيفهنّ ، فزعت الـجبـال ، وكادت أن تزول من أمكنتها ولـم يفعلن وذلك قول الله تعالـى : { وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ } وهي فـي قراءة ابن مسعود : « وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ » . فكان طَيْرُورتهن به من بـيت الـمقدس ووقوعهن به فـي جبل الدخان . فلـما رأى أنه لا يطيق شيئاً أخذ فـي بنـيان الصرح ، فبنى حتـى إذا شيده إلـى السماء ارتقـى فوقه ينظر ، يزعم إلـى إله إبراهيـم ، فأحدث ، ولـم يكن يُحدث وأخذ الله بنـيانه من القواعد { فَخَرَّ عَلَـيْهِمُ السَّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وأتاهُمْ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ } يقول : من مأمنهم ، وأخذهم من أساس الصرح ، فتنقَّض بهم فسقط . فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع ، فتكلـموا بثلاثة وسبعين لساناً ، فلذلك سميت بـابل . وإنـما كان لسان الناس من قبل ذلك بـالسريانـية . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فأتَـى اللَّهُ بُنـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ } قال : هو نـمرود حين بنى الصرح . حدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا قال : عبد الرزاق ، عن معمر ، عن زيد بن أسلـم : إن أوّل جبـار كان فـي الأرض نـمرود ، فبعث الله علـيه بعوضة فدخـلت فـي منـخره ، فمكث أربع مئة سنة يُضرب رأسُه بـالـمطارق ، أرحم الناس به من جمع يديه ، فضرب رأسه بهما ، وكان جبـاراً أربع مئة سنة ، فعذّبه الله أربع مئة سنة كمُلكه ، ثم أماته الله . وهو الذي كان بنى صَرْحاً إلـى السماء ، وهو الذي قال الله : { فَأَتـى اللَّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَـيْهِمُ السَّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ } . وأما قوله : { فأَتَـى اللَّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ } فإن معناه : هدم الله بنـيانهم من أصله . والقواعد : جمع قاعدة ، وهي الأساس . وكان بعضهم يقول : هذا مثل للاستئصال وإنـما معناه : إن الله استأصلهم . وقال : العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشيء . وقوله : { فَخَرَّ عَلَـيْهِمُ السَّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ } اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فخرّ علـيهم السقـف من فوقهم أعالـي بـيوتهم من فوقهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فأَتَـى اللَّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ } إي والله ، لأتاها أمر الله من أصلها { فَخَرَّ عَلَـيْهِمُ السَّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ } والسقـف : أعالـي البـيوت ، فـائتفكت بهم بـيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم ، { وأتاهُمُ العَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ } . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { فَخَرَّ عَلَـيْهِمُ السَّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ } قال : أتـى الله بنـيانهم من أصوله ، فخرّ علـيهم السقـف . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا أبو حُذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { فأَتَـى اللَّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ } قال : مكر نـمرود بن كنعان الذي حاجّ إبراهيـم فـي ربه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . وقال آخرون : عنى بقوله : { فَخَرَّ عَلَـيْهِمُ السَّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ } أن العذاب أتاهم من السماء . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَخَرَّ عَلَـيْهِمُ السَّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ } يقول : عذاب من السماء لَـما رأوه استسلـموا وذلوا . وأولـى القولـين بتأويـل الآية ، قول من قال : معنى ذلك : تساقطت علـيهم سقوف بـيوتهم ، إذ أتـى أصولها وقواعدها أمر الله ، فـائتفكت بهم منازلهم لأن ذلك هو الكلام الـمعروف من قواعد البنـيان وخرّ السقـف ، وتوجيه معانـي كلام الله إلـى الأشهر الأعرف منها ، أولـى من توجيهها إلـى غير ذلك ما وُجِد إلـيه سبـيـل . { وأتاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ } يقول تعالـى ذكره : وأتـى هؤلاء الذين مكروا من قَبْل مشركي قريش ، عذاب الله من حيث لا يدرون أنه أتاهم منه .