Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 48-48)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء الـحجاز والـمدينة والبصرة : { أو لَـمْ يَرَوْا } بـالـياء علـى الـخبر عن الذين مكروا السيئات . وقرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين : « أو لَـمْ تَرَوا » بـالتاء علـى الـخطاب . وأولـى القراءتـين عندي الصواب قراءة من قرأ بـالـياء علـى وجه الـخبر عن الذين مكروا السيئات لأن ذلك فـي سياق قَصَصِهم والـخبر عنهم ، ثم عقب ذلك الـخبر عن ذهابهم عن حجة الله علـيهم وتركهم النظر فـي أدلته والاعتبـار بها . فتأويـل الكلام إذن : أو لـم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلـى ما خـلق الله من جسم قائم شجر أو جبل أو غير ذلك { يَتَفَـيَّأُ ظِلالَهُ عَنِ الـيَـمِينِ والشَّمَائِلِ } يقول : يرجع من موضع إلـى موضع ، فهو فـي أوّل النهار علـى حال ، ثم يتقلَّص ، ثم يعود إلـى حال أخرى فـي آخر النهار . وكان جماعة من أهل التأويـل يقولون فـي الـيـمين والشمائل ما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله : { أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الـيَـمِينِ والشمائِلِ سُجَّدا لِلّهِ } أما الـيـمين : فأوّل النهار وأما الشمال : فآخر النهار . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنـحوه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُه عَنِ الـيَـمِينِ والشَّمائِلِ } قال : الغدوّ والآصال ، إذا فـاءت الظِّلال ظلال كلّ شيء بـالغدوّ سجدت لله ، وإذا فـاءت بـالعشيّ سجدت لله . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُه عَنِ الـيَـمِينِ والشَّمائِلِ } يعنـي : بـالغدوّ والآصال ، تسجد الظلال لله غدوة إلـى أن يفـيء الظلّ ، ثم تسجد لله إلـى اللـيـل ، يعنـي : ظلّ كلّ شيء . وكان ابن عبـاس يقول فـي قوله { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } ما : حدثنا الـمثنى ، قال : أخبرنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } يقول : تتـميـل . واختلف فـي معنى قوله : { سُجَّداً لِلّهِ } فقال بعضهم : ظلّ كلّ شيء سجوده . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } قال : ظلّ كلّ شيء سجوده . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا إسحاق الرازيّ ، عن أبـي سنان ، عن ثابت عن الضحاك : { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } قال : سجد ظلّ الـمؤمن طوعاً ، وظلّ الكافر كَرْهاً . وقال آخرون : بل عنى بقوله { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } كلاًّ عن الـيـمين والشمائل فـي حال سجودها ، قالوا : وسجود الأشياء غير ظلالها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد وحدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأَوديّ ، قالا : ثنا حَكَّام ، عن أبـي سنان ، عن ثابت عن الضحاك ، فـي قول الله : { أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } قال : إذا فـاء الفـيء توجه كلّ شيء ساجداً قبَل القبلة من نبت أو شجر ، قال : فكانوا يستـحبون الصلاة عند ذلك . حدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا الـحِمَّانـيّ ، قال : ثنا يحيى بن يـمان ، قال : ثنا شريك ، عن منصور ، عن مـجاهد فـي قول الله : { يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } قال : إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء لله عزّ وجلّ . وقال آخرون : بل الذي وصف الله بـالسجود فـي هذه الآية ظلال الأشياء ، فإنـما يسجد ظلالها دون التـي لها الظلال . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قوله : { أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيأُ ظِلالُهُ } قال : هو سجود الظلال ، ظلال كلّ شيء ما فـي السموات وما فـي الأرض من دابة ، قال : سجود ظلال الدوابّ ، وظلال كلّ شيء . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيَّأُ ظِلالُهُ } ما خـلق من كلّ شيء عن يـمينه وشمائله ، فلفظ ما لفظ عن الـيـمين والشمائل ، قال : ألـم تر أنك إذا صلـيت الفجر كان ما بـين مطلع الشمس إل مغربها ظلاًّ ؟ ثم بعث الله علـيه الشمس دلـيلاً ، وقبض الله الظلّ . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله أخبر فـي هذه الآية أن ظلال الأشياء هي التـي تسجد ، وسجودها : مَيَلانها ودورانها من جانب إلـى جانب وناحية إلـى ناحية ، كما قال ابن عبـاس يقال من ذلك : سجدت النـخـلة إذا مالت ، وسجد البعير وأسجد : إذا أميـل للركوب . وقد بـيَّنا معنى السجود فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته . وقوله : { وَهُمْ دَاخرُونَ } يعنـي : وهم صاغرون ، يقال منه : دخر فلان لله يدخر دخراً ودخوراً : إذا ذلّ له وخضع ومنه قول ذي الرُّمَّة : @ فَلَـمْ يَبْقَ إلاَّ داخِرٌ فِـي مُخَيَّسٍ ومُنْـجَحِرٌ فِـي غيرِ أرْضِكَ فـي جُحْرِ @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حُذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَهُمْ دَاخِرُونَ } : صاغرون . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَهُمْ دَاخِرُونَ } : أي صاغرون . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة مثله . وأما توحيد الـيـمين فـي قوله : { عَنِ الـيَـمِينِ والشَّمائِلِ } فجمعها ، فإن ذلك إنـما جاء كذلك ، لأن معنى الكلام : أو لـم يروا إلـى ما خـلق الله من شيء يتفـيأ ظلال ما خـلق من شيء عن يـمينه : أي ما خـلق ، وشمائله . فلفظ « ما » لفظ واحد ، ومعناه معنى الـجمع ، فقال : « عن الـيـمين » بـمعنى : عن يـمين ما خـلق ، ثم رجع إلـى معناه فـي الشمائل . وكان بعض أهل العربـية يقول : إنـما تفعل العرب ذلك ، لأن أكثر الكلام مواجهة الواحد الواحد ، فـيقال للرجل : خذ عن يـمينك ، قال : فكأنه إذا وحد ذهب إلـى واحد من القوم ، وإذا جمع فهو الذي لا مساءلة فـيه واستشهد لفعل العرب ذلك بقول الشاعر : @ بِفـي الشَّامِتِـينَ الصَّخْرُ إنْ كانَ هَدَّنِـي رَزِيَّةُ شِبْلَـيْ مُخْدِرٍ فـي الضَّراغمِ @@ فقال : « بِفـي الشامتـين » ، ولـم يقل : « بأفواه » وقول الآخر : @ الوَارِدُونَ وتَـيْـمٌ فِـي ذَرَا سَبإٍ قد عَضَّ أعْناقَهُمْ جِلْدُ الـجَوَامِيسِ @@ ولـم يقل : جلود .