Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 57-58)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ومن جهل هؤلاء الـمشركين وخُبث فعلهم وقبح فِرْيتهم علـى ربهم ، أنهم يجعلون لـمن خـلقهم ودبَّرهم وأنعم علـيهم ، فـاستوجب بنعمه علـيهم الشكر ، واستـحقّ علـيهم الـحمد { البَنَاتِ } ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه ، نزّه جلّ جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إلـيه ونسبوه من البنات ، فلـم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إلـيه ما لا ينبغي إضافته إلـيه . ولا ينبغي أن يكون له من الولد أن يضيفوا إلـيه ما يشتهونه لأنفسهم ويحبونه لها ، ولكنهم أضافوا إلـيه ما يكرهونه لأنفسهم ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم . وفـي « ما » التـي فـي قوله : { ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ } وجهان من العربـية : النصب عطفـاً لها علـى « البنات » ، فـيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك : ويجعلون لله البنات ولهم البنـين الذين يشتهون ، فتكون « ما » للبنـين ، والرفع علـى أن الكلام مبتدأ من قوله : { ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ } فـيكون معنى الكلام : ويجعلون لله البنات ولهم البنون . وقوله : { وَإذَا بُشِّرَ أحَدُهُمْ بـالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا } يقول : وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إلـيه من ذلك له ، ظلّ وجهه مسودًّا من كراهته له { وَهُوَ كَظِيـمٌ } يقول قد كَظَم الـحزنَ ، وامتلأ غمًّا بولادته له ، فهو لا يظهر ذلك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { ويَجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ } ، ثم قال : { وَإذَا بُشِّرَ أحَدُهُمْ بـالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيـمٌ … } إلـى آخر الآية ، يقول : يجعلون لله البنات ترضونهنّ لـي ولا ترضونهنّ لأنفسكم وذلك أنهم كانوا فـي الـجاهلـية إذا وُلد للرجل منهم جارية أمسكها علـى هون ، أو دسها فـي التراب وهي حية . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذَا بُشِّرَ أحَدهُمْ بـالأُنْثى ظَلَّ وَجْهَهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيـمٌ } وهذا صنـيع مشركي العرب ، أخبرهم الله تعالـى ذكره بخبث صنـيعهم فأما الـمؤمن فهو حقـيق أن يرضى بـما قسم الله له ، وقضاء الله خير من قضاء الـمرء لنفسه ، ولعمري ما يدري أنه خير ، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام . وإنـما أخبركم الله بصنـيعهم لتـجتنبوه وتنتهوا عنه ، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : { وَهُوَ كَظِيـمٌ } قال : حزين . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، فـي قوله : { وَهُوَ كَظِيـمٌ } قال : الكظيـم : الكميد . وقد بـيَّنا ذلك بشواهده فـي غير هذا الـموضع .