Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 66-66)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : وإن لكم أيها الناس لعظة فـي الأنعام التـي نُسْقـيكم مـما فـي بطونه . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { نُسْقِـيكُمْ } فقرأته عامة أهل مكة والعراق والكوفة والبصرة ، سوى عاصم ، ومن أهل الـمدينة أبو جعفر : { نُسْقِـيكُمْ } بضم النون . بـمعنى : أنه أسقاهم شرابـاً دائماً . وكان الكسائي يقول : العرب تقول : أسقـيناهم نَهْراً وأسقـيناهم لبناً : إذا جعلته شِرْبـاً دائماً ، فإذا أرادوا أنهم أعطوه شربة قالوا : سقـيناهم فنـحن نَسْقِـيهم بغير ألف . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة سوى أبـي جعفر ، ومن أهل العراق عاصم : « نَسْقِـيكم » بفتـح النون من سقَاه الله فهو يَسْقـيه . والعرب قد تدخـل الألف فـيـما كان من السقـي غير دائم وتنزعها فـيـما كان دائماً ، وإن كان أشهر الكلامين عندها ما قال الكسائي ، يدلّ علـى ما قلنا من ذلك ، قول لَبـيد فـي صفة سحاب : @ سَقَـى قَوْمي بَنِـي مَـجْدٍ وأسْقَـى نُـمَيْرا والقَبـائِلَ مِنْ هِلالِ @@ فجمع اللغتـين كلتـيهما فـي معنى واحد . فإذا كان ذلك كذلك ، فبأية القراءتـين قرأ القارىء فمصيب ، غير أن أعجب القراءتـين إلـيّ قراءة ضمّ النون لـما ذكرت من أن الكلامين عند العرب فـيـما كان دائماً من السقـي أسقـى بـالألف فهو يُسْقِـي ، وما أسقـى الله عبـاده من بطون الأنعام فدائم لهم غير منقطع عنهم . وأما قوله : { مـمَّا فِـي بُطُونِهِ } وقد ذكر الأنعام قبل ذلك ، وهي جمع والهاء فـي البطون موحدة ، فإن لأهل العربـية فـي ذلك أقوالاً ، فكان بعض نـحويـي الكوفة يقول : النَّعم والأنعام شيء واحد ، لأنهما جميعاً جمعان ، فردّ الكلام فـي قوله : { مِـمَّا فِـي بُطُونِهِ } إلـى التذكير مراداً به معنى النَّعم ، إذ كان يؤدي عن الأنعام ويستشهد لقوله ذلك برجز بعض الأعراب : @ إذا رأيْتَ أنْـجُماً منَ الأسَدْ جَبْهَتهُ أوِ الـخَرَاةِ والكَتَدْ بـال سُهَيْـلٌ فـي الفَضِيخِ فَفَسَدْ وطابَ ألْبـانُ اللِّقاحِ فَبَردْ @@ ويقول : رجع بقوله : « فبرد » إلـى معنى اللبن ، لأن اللبن والألبـان تكون فـي معنى واحد . وفـي تذكير النعم قول الآخر : @ أكُلَّ عامٍ نَعَمٌ تَـحُوونَهْ يُـلْقحُهُ قَوْمٌ وتَنْتِـجُونَهْ @@ فذكرّ النعم . وكان غيره منهم يقول : إنـما قال : { مِـمَّا فِـي بُطُونِهِ } لأنه أراد : مـما فـي بطون ما ذكرنا وينشد فـي ذلك رَجزاً لبعضهم : @ مِثْلُ الفِراخِ نُتّفَتْ حَوَاصِلُهْ @@ وقول الأسود بن يَعْفُر : @ إنَّ الـمَنِـيَّةَ والـحُتُوفَ كلاهُما يُوفـي الـمخَارِمَ يَرْقُبـانِ سَوَادِي @@ فقال : « كلاهما » ، ولـم يقل : « كلتاهما » وقول الصَّلتان العَبْديّ : @ إنَّ السَّماحَةَ والـمُرُوءَة ضُمِّنا قَبْراً بـمَرْوَ علـى الطَّرِيقِ الوَاضِحِ @@ وقول الآخر : @ وعَفْرَاءُ أدْنَى النَّاس مِنِّـي مَوَدَّةً وعَفْرَاءُ عَنّـي الـمُعْرِضُ الـمُتَوَانِـي @@ ولـم يقل : الـمعرضة الـمتوانـية وقول الآخرة : @ إذا النَّاسُ ناسٌ والبِلادُ بِغبْطَةٍ وَإذْ أُمُّ عَمَّارٍ صَديقٌ مُساعِفُ @@ ويقول : كل ذلك علـى معنى هذا الشيء وهذا الشخص والسواد ، وما أشبه ذلك . ويقول : من ذلك قول الله تعالـى ذكره : { فَلَـمَّا رأى الشَّمْسَ بـازِغَةً قالَ هذَا رَبّـي } بـمعنى : هذا الشيء الطالع ، وقوله : { إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ } ولـم يقل ذكرها ، لأن معناه : فمن شاء ذكر هذا الشيء ، وقوله : { وَإنَّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ فَلَـمَّا جاءَ سُلْـيـمانَ } ولـم يقل « جاءت » . وكان بعض البصريـين يقول : قـيـل : { مِـمَّا فِـي بُطُونِهِ } لأن الـمعنى : نسقـيكم من أيّ الأنعام كان فـي بطونه . ويقول : فـيه اللبن مضمر ، يعنـي أنه يسقـي من أيها كان ذا لبن ، وذلك أنه لـيس لكلها لبن ، وإنـما يُسقـى من ذوات اللبن . والقولان الأوّلان أصحّ مخرجاً علـى كلام العرب من هذا القول الثالث . وقوله : { مِنْ بـينِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً } يقول : نسقـيكم لبناً ، نـخرجه لكم من بـين فرث ودم خالصاً يقول : خـلص من مخالطة الدم والفرث فلـم يختلطا به . { سائِغاً للشَّارِبِـينَ } يقول : يسوغ لـمن شربه فلا يَغَصّ به كما يَغَصّ الغاصّ ببعض ما يأكله من الأطعمة . وقـيـل : إنه لـم يَغَصّ أحد بـاللبن قَطُّ .