Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 67-67)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : ولكم أيضاً أيها الناسُ عِبرةٌ فـيـما نسقـيكم من ثمرات النـخيـل والأعناب ما { تَتَّـخِذُونَ منه سَكَراً ورِزْقاً حَسَناً } مع ما نسقـيكم من بطون الأنعام من اللبن الـخارج من بـين الفرث والدم . وحذف من قوله : { وَمِنْ ثَمَراتِ النَّـخِيـلِ والأعنابِ } الاسم ، والـمعنى ما وصفت ، وهو : ومن ثمرات النـخيـل والأعناب ما تتـخذون منه لدلالة « من » علـيه ، لأن « من » تدخـل فـي الكلام مُبَعِّضة ، فـاستغنـي بدلالتها ومعرفة السامعين بـما يقتضي من ذكر الاسم معها . وكان بعض نـحويـي البصرة يقول فـي معنى الكلام : ومن ثمرات النـخيـل والأعناب شيء تتـخذون منه سَكَراً ، ويقول : إنـما ذكرت الهاء فـي قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ } لأنه أريد بها الشيء ، وهو عندنا عائد علـى الـمتروك ، وهو « ما » ، وقوله : { تَتَّـخِذُونَ } من صفة « ما » الـمتروكة . واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } فقال بعضهم : عنـي بـالسَّكَر : الـخمرُ ، وبـالرزق الـحسن : التـمرُ والزبـيبُ ، وقال : أنـما نزلت هذه الآية قبل تـحريـم الـخمر ثم حُرّمت بعد . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي ، قال : ثنا أيوب بن جابر السُّحَيْـمي ، عن الأسود ، عن عمرو بن سفـيان ، عن ابن عبـاس ، قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : السَّكَر : ما حُرِّم من شرابه ، والرزق الـحسن : ما أحلّ من ثمرته . حدثنا ابن وكيع وسعيد بن الربـيع الرازي ، قالا : ثنا ابن عيـينة ، عن الأسود بن قـيس ، عن عمرو بن سفـيان ، عن ابن عبـاس : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : الرزق الـحسن : ما أحلّ من ثمرتها ، والسكَر : ما حرّم من ثمرتها . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، عن الأسود ، عن عمرو بن سفـيان ، عن ابن عبـاس مثله . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأسود بن قـيس ، عن عمرو بن سفـيان ، عن ابن عبـاس ، بنـحوه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين ، قال : ثنا سفـيان ، عن الأسود بن قـيس ، عن عمرو بن سفـيان ، عن ابن عبـاس بنـحوه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الأسود بن قـيس ، قال : سمعت رجلاً يحدّث عن ابن عبـاس فـي هذه الآية : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : السكر : ما حرّم من ثمرتـيهما ، والرزق الـحسن : ما أحلّ من ثمرتـيهما . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا الـحسن بن صالـح ، عن الأسود بن قـيس ، عن عمرو بن سفـيان ، عن ابن عبـاس ، بنـحوه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا زهير بن معاوية ، قال : ثنا الأسود بن قـيس ، قال : ثنـي عمرو بن سفـيان ، قال : سمعت ابن عبـاس يقول ، وذكرت عنده هذه الآية : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : السكر : ما حرّم منهما ، والرزق الـحسن : ما أحلّ منهما . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا سفـيان ، عن الأسود بن قـيس ، عن عمرو بن سفـيان البصري ، قال : قال ابن عبـاس ، فـي قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : فأما الرزق الـحسن : فما أحلّ من ثمرتهما ، وأما السكر : فما حرَّم من ثمرتهما . حدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا الـحِمَّانـي ، قال : ثنا شريك ، عن الأسود ، عن عمرو بن سفـيان البصريّ ، عن ابن عبـاس : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : السكر : حرامه ، والرزق الـحسن : حلاله . حدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا العبـاس بن أبـي طالب ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن الأسود ، عن عمرو بن سفـيان ، عن ابن عبـاس قال : السَّكَر : ما حرّم من ثمرتهما ، والرزق الـحسن : ما حلّ من ثمرتهما . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : الرزق الـحسن : الـحلال ، والسَّكَر : الـحرام . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : ما حرم من ثمرتهما ، وما أحلّ من ثمرتهما . حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير ، قال : السكر خمر ، والرزق الـحسن الـحلال . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن مسعر وسفـيان ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير ، قال : الرزق الـحسن : الـحلال ، والسَّكَر : الـحرام . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو نعيـم ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير ، بنـحوه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي بشر ، عن سعيد بن جبـير ، فـي هذه الآية : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : السكَر : الـحرام ، والرزق الـحسن : الـحلال . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبـي رزين : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : نزل هذا وهم يشربون الـخمر ، فكان هذا قبل أن ينزل تـحريـم الـخمر . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مَهديّ ، قال : ثنا شعبة ، عن الـمغيرة ، عن إبراهيـم والشعبـي وأبـي رزين ، قالوا : هي منسوخة فـي هذه الآية : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } . حدثنا الـحسن بن عرفة ، قال : ثنا أبو قطن ، عن سعيد ، عن الـمُغيرة ، عن إبراهيـم والشعبـيّ ، وأبـي رزين بـمثله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن مغيرة ، عن إبراهيـم ، فـي قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : هي منسوخة نسخها تـحريـم الـخمر . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الـحسن ، فـي قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : ذكر الله نعمته فـي السكر قبل تـحريـم الـخمر ، حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن منصور وعوف ، عن الـحسن ، قال السكر : ما حرّم الله منه ، والرزق : ما أحلّ الله منه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن أبـي جعفر ، عن الربـيع ، عن الـحسن ، قال : الرزق الـحسن : الـحلال ، والسكَر : الـحرام . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سلـمة ، عن الضحاك ، قال : الرزق الـحسن : الـحلال ، والسكَر : الـحرام . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن أبـي كدينة يحيى بن الـمهلب ، عن لـيث ، عن مـجاهد قال : السكر : الـخمر ، والرزق الـحسن ، الرُّطَب والأعناب . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا شريك ، عن لـيث ، عن مـجاهد : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } قال : هي الـخمر قبل أن تـحرّم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } قال : الـخمر قبل تـحريـمها ، { وَرِزْقاً حَسَناً } قال : طعاماً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد بنـحوه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمِنْ ثَمَراتِ النَّـخِيـلِ والأعنابِ تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } أما السَّكَر : فخمور هذه الأعاجم ، وأما الرزق الـحسن : فما تنتبذون ، وما تُـخَـلِّلون ، وما تأكلون . ونزلت هذه الآية ولـم تـحرّم الـخمر يومئذ ، وإنـما جاء تـحريـمها بعد ذلك فـي سورة الـمائدة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبدة بن سلـيـمان ، قال : قرأت علـى ابن أبـي عُذرة ، قال : هكذا سمعت قتادة : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } ثم ذكر نـحو حديث بشر . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { سَكَراً } قال : هي خمور الأعاجم ، ونُسخت فـي سورة الـمائدة . والرزق الـحسن قال : ما تنتبذون وتـخـلِّلون وتأكلون ، حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } وذلك أن الناس كانوا يسمُّون الـخمر سكراً ، وكانوا يشربونها ، قال ابن عبـاس : مرّ رجال بوادي السكران الذي كانت قريش تـجتـمع فـيه ، إذا تَلَقَّوا مسافريهم إذا جاؤوا من الشام ، وانطلقوا معهم يشيعونهم حتـى يبلغوا وادي السكران ثم يرجعوا منه ، ثم سماها الله بعد ذلك الـخمر حين حرمت . وقد كان ابن عبـاس يزعم أنها الـخمر ، وكان يزعم أن الـحبشة يسمون الـخـلّ السكر . قوله : { وَرِزْقاً حَسَناً } يعنـي بذلك : الـحلال التـمر والزبـيب ، وما كان حلالاً لا يسكر . وقال آخرون : السَّكَر بـمنزلة الـخمر فـي التـحريـم ولـيس بخمر ، وقالوا : هي نقـيع التـمر والزبـيب إذا اشتدّ وصار يسكر شاربه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الـحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، فـي قوله : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال ابن عبـاس : كان هذا قبل أن ينزل تـحريـم الـخمر والسكر حرام مثل الـخمر وأما الـحلال منه فـالزبـيب والتـمر والـخـل ونـحوه . حدثنـي الـمثنى ، وعلـي بن داود ، قالا : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } فحرّم الله بعد ذلك ، يعنـي بعد ما أنزل فـي سورة البقرة من ذكر الـخمر والـميسر والأنصاب والأزلام ، السَّكَر مع تـحريـم الـخمر لأنه منه ، قال : { وَرِزْقاً حَسَناً } فهو الـحلال من الـخـلّ والنبـيذ وأشبـاه ذلك ، فأقرّه الله وجعله حلالاً للـمسلـمين . حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن موسى ، قال : سألت مرّة عن السَّكَر ، فقال : قال عبد الله : هو خمر . حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن أبـي فروة ، عن أبـي عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى ، قال : السكر : خمر . حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي الهيثم ، عن إبراهيـم ، قال : السكر : خمر . حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا حسن بن صالـح ، عن مغيرة ، عن إبراهيـم وأبـي رزين ، قالا : السكر : خمر . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } يعنـي : ما أسكر من العنب والتـمر { وَرِزْقاً حَسَناً } يعنـي : ثمرتها . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : الـحلال ما كان علـى وجه الـحلال حتـى غيروها فجعلوا منها سَكَراً . وقال آخرون : السَّكَرَ : هو كلّ ما كان حلالاً شربه ، كالنبـيذ الـحلال والـخـلّ والرطَب . والرزق الـحسن : التـمر والزبـيب . ذكر من قال ذلك : حدثنـي داود الواسطيّ ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : أبو رَوْق : ثنـي قال : قلت للشعبـيّ : أرأيت قوله تعالـى : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } أهو هذا السَّكَر الذي تصنعه النَّبَط ؟ قال : لا ، هذا خمر ، إنـما السكر الذي قال الله تعالـى ذكره : النبـيذ والـخـلّ والرزق الـحسن : التـمر والزبـيب . حدثنـي يحيى بن داود ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : وذكر مـجالد ، عن عامر ، نـحوه . حدثنـي أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا مندل ، عن لـيث ، عن مـجاهد : { تَتَّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } قال : ما كانوا يتـخذون من النـخـل النَّبـيذ ، والرزق الـحسن : ما كانوا يصنعون من الزبـيب والتـمر . حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا مندل ، عن أبـي رَوْق ، عن الشعبـيّ ، قال : قلت له : ما تتـخذون منه سَكَراً ؟ قال : كانوا يصنعون من النبـيذ والـخـلّ قلت : والرزق الـحسن ؟ قال : كانوا يصنعون من التـمر والزبـيب . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير ، عن مـجالد ، عن الشعبـيّ ، قال : السَّكَر : النبـيذ والرزق الـحسن : التـمر الذي كان يؤكل . وعلـى هذا التأويـل ، الآية غير منسوخة ، بل حكمها ثابت . وهذا التأويـل عندي هو أولـى الأقوال بتأويـل هذه الآية ، وذلك أن السكر فـي كلام العرب علـى أحد أوجه أربعة : أحدها : ما أسكر من الشراب . والثانـي : ما طُعِم من الطعام ، كما قال الشاعر : @ جَعَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا @@ أي طعماً . والثالث : السُّكُون ، من قول الشاعر : @ جَعَلَتْ عينْ الـحَرُورِ تَسْكُرُ @@ وقد بيَّنا ذلك فـيـما مضى . والرابع : الـمصدر من قولهم : سَكِرَ فلان يَسْكَرُ سُكْراً وسَكْراً وسَكَراً . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان ما يُسْكِر من الشراب حراماً بـما قد دللنا علـيه فـي كتابنا الـمسمى : « لطيف القول فـي أحكام شرائع الإسلام » وكان غير جائز لنا أن نقول : هو منسوخ ، إذ كان الـمنسوخ هو ما نَفَـى حكمه الناسخ وما لا يجوز اجتـماع الـحكم به وناسخه ، ولـم يكن فـي حكم الله تعالـى ذكره بتـحريـم الـخمر دلـيـل علـى أن السَّكَر الذي هو غير الـخمر ، وغير ما يسكر من الشراب ، حرام إذ كان السكر أحد معانـيه عند العرب ، ومن نزل بلسانه القرآن هو كلّ ما طعم ، ولـم يكن مع ذلك ، إذ لـم يكن فـي نفس التنزيـل دلـيـل علـى أنه منسوخ ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول ، ولا أجمعت علـيه الأمة ، فوجب القول بـما قلنا من أن معنى السَّكَرَ فـي هذا الـموضع : هو كلّ ما حلّ شربه مـما يتـخذ من ثمر النـخـل والكرم ، وفسد أن يكون معناه الـخمر أو ما يسكر من الشراب ، وخرج من أن يكون معناه السَّكَر نفسه ، إذ كان السَّكَر لـيس مـما يتـخذ من النَّـخْـل والكَرْم ، ومن أن يكون بـمعنى السكون . وقوله : { إنَّ فِـي ذلكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يقول : فـيـما إن وصفنا لكم من نعمنا التـي آتـيناكم أيها الناس من الأنعام والنـخـل والكرم ، لدلالة واضحة وآية بـينة لقوم يعقلون عن الله حججه ويفهمون عنه مواعظه فـيتعظون بها .