Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 92-92)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره ناهياً عبـاده عن نقض الأيـمان بعد توكيدها ، وآمراً بوفـاء العهود ، ومـمثلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه : ولا تكونوا أيها الناس فـي نقضكم أيـمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بـالوفـاء بذلك العهود والـمواثـيق { كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } يعنـي : من بعد إبرام . وكان بعض أهل العربـية يقول : القوّة : ما غُزِل علـى طاقة واحدة ولـم يثن . وقـيـل : إن التـي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بـمكة . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي عبد الله بن كثـير : { كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } قال : خرقاء كانت بـمكة تنقضه بعد ما تُبْرِمه . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق قال : ثنا عبد الله بن الزبـير ، عن ابن عيـينة ، عن صدقة ، عن السديّ : { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثاً تَتَّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ } قال : هي خَرْقَاءُ بـمكة كانت إذا أبرمت غزلها نقضته . وقال آخرون : إنـما هذا مثل ضربه الله لـمن نقض العهد ، فشبهه بـامرأة تفعل هذا الفعل . وقالوا فـي معنى نقضت غزلها من بعد قوّة ، نـحوا مـما قلنا . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثاً } فلو سمعتـم بـامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتـم : ما أحمق هذه وهذا مثل ضربه الله لـمن نكث عهده . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } قال : غزلها : حبلها تنقضه بعد إبرامها إياه ولا تنتفع به بعد . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } قال : نقضت حبلها من بعد إبرام قوّة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثاً } قال : هذا مثل ضربه الله لـمن نقض العهد الذي يعطيه ، ضرب الله هذا له مثلاً بـمثل التـي غزلت ثم نقضت غزلها ، فقد أعطاهم ثم رجع ، فنكث العهد الذي أعطاهم . وقوله : { أنكاثاً } يعنـي : أنقاضاً ، وكلّ شيء نُقِض بعد الفتل فهو أنكاث ، واحدها : نِكْث حبلاً كان ذلك أو غزلاً ، يقال منه : نَكَث فلان هذا الـحبل فهو ينكُثُه نَكْثاً ، والـحبل منتكِثٌ : إذا انتقضت قُواه . وإنـما عُنـي به فـي هذا الـموضع نكث العهد والعقد . وقوله : { تَتَّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } يقول تعالـى ذكره : تـجعلون أيـمانكم التـي تـحلفون بها علـى أنكم موفون بـالعهد لـمن عاقدتـموه { دَخَلاً بَـيْنَكُمْ } يقول : خديعة وغروراً لـيطمئنوا إلـيكم وأنتـم مضمرون لهم الغدر وترك الوفـاء بـالعهد والنُّقلة عنهم إلـى غيرهم من أجل أن غيرهم أكثر عدداً منهم . والدَّخَـل فـي كلام العرب : كلّ أمر لـم يكن صحيحاً ، يقال منه : أنا أعلـم دَخَـلَ فلان ودُخْـلُلَهُ وداخِـلةَ أمره ودُخْـلَتَهُ ودَخِيـلَتَهُ . وأما قوله : { أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } فإن قوله أرَبى : أفعل من الربـا ، يقال : هذا أربى من هذا وأربأ منه ، إذا كان أكثر منه ومنه قول الشاعر : @ وأسْمَرَ خَطِّيّ كأنَّ كُعُوبَهُ نَوى القسْبِ قد أرْبَى ذرَاعاً علـى العَشْرِ @@ وإنـما يقال : أربى فلان من هذا وذلك للزيادة التـي يريدها علـى غريـمه علـى رأس ماله . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، وعلـيّ بن داود ، قالا : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } يقول : أكثر . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } يقول : ناس أكثر من ناس . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } قال : كانوا يحالفون الـحلفـاء ، فـيجدون أكثر منهم وأعزّ ، فـينقضون حِلْف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزّ منهم ، فنُهوا عن ذلك . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد . وحدثنـي القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { تَتَّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ } يقول : خيانة وغدراً بـينكم . { أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } أن يكون قوم أعزّ وأكثر من قوم . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { دَخَلاً بَـيْنَكُمْ } قال : خيانة بينكم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { تَتَّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ } يغرّ بها ، يعطيه العهد يؤمنه وينزله من مأمنه ، فتزلّ قدمه وهو فـي مأمن ، ثم يعود يريد الغدر ، قال : فأوّل بدو هذا قوم كانوا حلفـاء لقوم تـحالفوا وأعطى بعضهم بعضاً العهد ، فجاءهم قوم قالوا : نـحن أكثر وأعزّ وأمنع ، فـانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلـينا ففعلوا ، وذلك قول الله تعالـى : { وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللَّهَ عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً } { أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } هي أربى : أكثر من أجل أن كانوا هؤلاء أكثر من أولئك نقضتـم العهد فـيـما بـينكم وبـين هؤلاء ، فكان هذا فـي هذا ، وكان الأمر الآخر فـي الذي يعاهده فـينزله من حِصْنه ثم ينكث علـيه ، الآية الأولـى فـي هؤلاء القوم وهي مبدؤه ، والأخرى فـي هذا . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، فـي قوله : { أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } يقول : أكثر ، يقول : فعلـيكم بوفـاء العهد . وقوله : { إنَّـمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ } يقول تعالـى ذكره : إنـما يختبركم الله بأمره إياكم بـالوفـاء بعهد الله إذا عاهدتـم ، لـيتبـين الـمطيع منكم الـمنتهي إلـى أمره ونهيه من العاصي الـمخالف أمره ونهيه . { وَلَـيُبِـينَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ ما كُنْتُـمْ فِـيهِ تَـخْتَلِفُونَ } يقول تعالـى ذكره : ولـيبـينن لكم أيها الناس ربكم يوم القـيامة إذا وردتـم علـيه بـمـجازاة كلّ فريق منكم علـى عمله فـي الدنـيا ، الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء بإساءته ، { ما كُنْتُـمْ فـيه تَـخْتَلِفُونَ } والذي كانوا فـيه يختلفون فـي الدنـيا أن الـمؤمن بـالله كان يقرّ بوحدانـية الله ونبوّة نبـيه ، ويصدق بـما ابتعث به أنبـياءه ، وكان يكذّب بذلك كله الكافر فذلك كان اختلافهم فـي الدنـيا الذي وعد الله تعالـى ذكره عبـاده أن يبـينه لهم عند ورودهم علـيه بما وصفنا من البـيان .