Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 91-91)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وأوفوا بـميثاق الله إذا واثقتـموه ، وعقده إذا عاقدتـموه ، فأوجبتـم به علـى أنفسكم حقًّا لـمن عاقدتـموه به وواثقتـموه علـيه . { وَلا تَنقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها } يقول : ولا تـخالفوا الأمر الذي تعاقدتـم فـيه الأيـمان ، يعنـي بعد ما شددتـم الأيـمان علـى أنفسكم ، فتـحنثوا فـي أيـمانكم وتكذبوا فـيها وتنقضوها بعد إبرامها ، يقال منه : وكَّد فلان يـمينه يوكّدها توكيداً : إذا شددها وهي لغة أهل الـحجاز ، وأما أهل نـجد ، فإنهم يقولون : أكّدتها أؤكدها تأكيداً . وقوله : { وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللَّهَ عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً } يقول : وقد جعلتـم الله بـالوفـاء بـما تعاقدتـم علـيه علـى أنفسكم راعياً يرعى الـموفـى منكم بعهد الله الذي عاهد علـى الوفـاء به والناقض . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل علـى اختلاف بـينهم فـيـمن عُنِـيَ بهذه الآية وفـيـما أنزلت ، فقال بعضهم : عُنِـي بها الذين بـايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى الإسلام ، وفـيهم أنزلت . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا أبو لـيـلـى ، عن بريدة ، قوله : { وأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عاهَدْتُـمْ } قال : أنزلت هذه الآية فـي بـيعة النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، كان من أسلـم بـايع علـى الإسلام ، فقالوا : { وأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عاهَدْتُـمْ } هذه البَـيعة التـي بـايعتـم علـى الإسلام ، { وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها } البـيعة ، فلا يحملكم قلة مـحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكثرة الـمشركين أن تنقضوا البـيعة التـي بـايعتـم علـى الإسلام ، وإن كان فـيهم قلة والـمشركين فـيهم كثرة . وقال آخرون : نزلت فـي الـحِلْف الذي كان أهل الشرك تـحالفوا فـي الـجاهلـية ، فأمرهم الله عزّ وجلّ فـي الإسلام أن يوفُّوا به ولا ينقضوه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله تعالـى : { وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها } قال : تغلـيظها فـي الـحلف . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها } يقول : بعد تشديدها وتغلـيظها . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : هؤلاء قوم كانوا حلفـاء لقوم تـحالفوا وأعطى بعضهم العهد ، فجاءهم قوم ، فقالوا : نـحن أكثر وأعزّ وأمنع ، فـانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلـينا ففعلوا ، فذلك قول الله تعالـى : { وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللَّهَ عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً } أن تكون أمة هي أربى من أمة ، هي أرَبى أكثر من أجل أن كان هؤلاء أكثر من أولئك ، نقضتـم العهد فـيـما بـينكم وبـين هؤلاء ، فكان هذا فـي هذا . حدثنـي ابن البرَقـيّ ، قال : ثنا ابن أبـي مَريـم ، قال : أخبرنا نافع بن يزيد ، قال : سألت يحيى بن سعيد ، عن قول الله : { وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها } قال : العهود . والصواب من القول فـي ذلك أن يقال : إن الله تعالـى أمر فـي هذه الآية عبـاده بـالوفـاء بعهوده التـي يجعلونها علـى أنفسهم ، ونهاهم عن نقض الأيـمان بعد توكيدها علـى أنفسهم لآخرين بعقود تكون بـينهم بحقّ مـما لا يكرهه الله . وجائز أن تكون نزلت فـي الذين بـايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيهم عن نقض بـيعتهم حذراً من قلة عدد الـمسلـمين وكثرة عدد الـمشركين ، وأن تكون نزلت فـي الذين أرادوا الانتقال بحلفهم عن حلفـائهم لقلة عددهم فـي آخرين لكثرة عددهم ، وجائز أن تكون فـي غير ذلك . ولا خبر تَثْبُت به الـحجة أنها نزلت فـي شيء من ذلك دون شيء ، ولا دلالة فـي كتاب ولا حجة عقل أيّ ذلك عُنِـيَ بها ، ولا قول فـي ذلك أولـى بـالـحقّ مـما قلنا لدلالة ظاهره علـيه ، وأن الآية كانت قد نزلت لسبب من الأسبـاب ، ويكون الـحكم بها عامًّا فـي كلّ ما كان بـمعنى السبب الذي نزلت فـيه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : { وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللَّهَ عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً } قال : وكيلاً . وقوله : { إنَّ اللَّهَ يَعْلَـمُ ما تَفْعَلُونَ } يقول تعالـى ذكره : إن الله أيها الناس يعلـم ما تفعلون فـي العهود التـي تعاهدون الله من الوفـاء بها والأحلاف والأيـمان التـي تؤكدونها علـى أنفسكم ، أتبرّون فـيها أم تنقضونها وغير ذلك من أفعالكم ، مـحصٍ ذلك كله علـيكم ، وهو مسائلكم عنها وعما عملتـم فـيها ، يقول : فـاحذروا الله أن تلقوه وقد خالفتـم فـيها أمره ونهيه ، فتستوجبوا بذلك منه ما لا قِبَل لكم به من أليـم عقابه .