Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 105-106)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وبـالـحقّ أنزلنا هذا القرآن : يقول : أنزلناه نأمر فـيه بـالعدل والإنصاف والأخلاق الـجميـلة ، والأمور الـمستـحسنة الـحميدة ، وننهى فـيه عن الظلـم والأمور القبـيحة ، والأخلاق الردية ، والأفعال الذّميـمة { وبـالـحَقّ نَزَلَ } يقول : وبذلك نزل من عند الله علـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم . وقوله : { وَما أرْسَلْناكَ إلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك يا مـحمد إلـى من أرسلناك إلـيه من عبـادنا ، إلا مبشرا بـالـجنَّة من أطاعنا ، فـانتهى إلـى أمرنا ونَهْينا ، ومنذراً لـمن عصانا وخالف أمرنا ونهينَا . { وَقُرآناً فَرَقْناهُ لَتَقْرأَهُ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار { فَرَقْناهُ } بتـخفـيف الراء من فرقناه ، بـمعنى : أحكمناه وفصلناه وبـيناه . وذُكر عن ابن عبـاس ، أنه كان يقرؤه بتشديد الراء « فَرَّقْناهُ » بـمعنى : نزّلناه شيئا بعد شيء ، آية بعد آية ، وقصة بعد قصة . وأولـى القراءتـين بـالصواب عندنا ، القراءة الأولـى ، لأنها القراءة التـي علـيها الـحجة مـجمعة ، ولا يجوز خلافها فـيـما كانت علـيه مـجمعة من أمر الدين والقرآن . فإذا كان ذلك أولـى القراءتـين بـالصواب ، فتأويـل الكلام : وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً ، وفصلناه قرآناً ، وبـيَّناه وأحكمناه ، لتقرأه علـى الناس علـى مكث . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك من التأويـل ، قال جماعة من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَقُرآناً فَرَقْناهُ } يقول : فصلناه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي جعفر ، عن الربـيع عن أبـي العالـية ، عن أبـيّ بن كعب أنه قرأ : { وَقُرآناً فَرَقْناهُ } مخففـاً : يعنـي بـيناه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس { وَقُرآنا فَرَقْناهُ } قال : فصلناه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا بدل بن الـمـحبر ، قال : ثنا عبـاد ، يعنـي ابن راشد ، عن داود ، عن الـحسن أنه قرأ : { وَقُرآنا فَرَقْناهُ } خفَّفها : فرق الله بـين الـحقّ والبـاطل . وأما الذين قرأوا القراءة الأخرى ، فإنهم تأوّلوا ما قد ذكرت من التأويـل . ذكر من قال ما حكيت من التأويـل عن قارىء ذلك كذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي جعفر ، عن الربـيع ، عن أبـي العالـية ، قال : كان ابن عبـاس يقرؤها : « وَقُرآناً فَرَّقْناهُ » مثقلة ، يقول : أنزل آية آية . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : قال : أنزل القرآن جملة واحدة إلـى السماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر ، ثم أنزل بعد ذلك فـي عشرين سنة ، قال : { وَلا يَأْتُونَكَ بِـمثَلٍ إلاَّ جِئْناكَ بـالـحَقّ وأحْسَنَ تَفْسِيراً } ، « وَقُرآنا فَرَّقْناهُ لِتَقْرأَهُ عَلـى النَّاسِ علـى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً » . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : « وَقُرآنا فَرَّقْناهُ لِتَقْرأهُ عَلـى النَّاسِ » لـم ينزل جميعاً ، وكان بـين أوّله وآخره نـحو من عشرين سنة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : « وَقُرآناً فَرَّقْناهُ » قال : فرّقه : لـم ينزله جميعه . وقرأ : { وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَـيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } حتـى بلغ { وأحْسَنَ تَفْسِيراً } يَنْقُض علـيهم ما يأتون به . وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة يقول : نصب قوله { وَقُرآناً } بـمعنى : ورحمة ، ويتأوّل ذلك : { وَما أرسَلْناكَ إلاَّ مُبَشِّرَاً وَنَذِيراً } ورحمة ، ويقول : جاز ذلك ، لأن القرآن رحمة ، ونصبه علـى الوجه الذي قلناه أولـى ، وذلك كما قال جلّ ثناؤه : { والقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ } وقوله : { لِتَقْرَأهُ عَلـى النَّاسِ عَلـى مُكْثٍ } يقول : لتقرأه علـى الناس علـى تُؤَدة ، فترتله وتبـينه ، ولا تعجل فـي تلاوته ، فلا يفهم عنك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن عبـيد الـمكُتِب ، قال : قلت لـمـجاهد : رجل قرأ البقرة وآخر وآل عمران ، وآخر قرأ البقرة ، وركوعهما وسجودهما واحد ، أيهما أفضل ؟ قال : الذي قرأ البقرة ، وقرأ : وَقُرآناً فَرَقْناه { لِتَقْرَأَهُ عَلـى النَّاسِ عَلـى مُكْثٍ } . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { لِتَقْرَأهُ عَلـى النَّاسِ عَلـى مُكْثٍ } يقول : علـى تأيـيد . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { عَلـى مُكْثٍ } قال : علـى ترتـيـل . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { لِتَقْرأَهُ علـى النَّاسِ عَلـى مكث } قال : فـي ترتـيـل . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { لِتَقْرَأَهُ عَلـى النَّاسِ عَلـى مُكْثٍ } قال : التفسير الذي قال الله { وَرتِّلِ القُرآنِ تَرْتـيلاً } تفسيره . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبـيد ، عن مـجاهد ، قوله : { لِتَقْرَأَهُ عَلـى النَّاسِ عَلـى مُكْثٍ } علـى تؤدة . وفـي الـمُكث للعرب لغات : مُكْث ، ومَكْث ، ومِكْث ومِكِّيثـي مقصور ، ومُكْثانا ، والقراءة بضمّ الـميـم . وقوله : { وَنَزَّلناهُ تَنْزِيلاً } يقول تعالـى ذكره : فرقنا تنزيـله ، وأنزلناه شيئا بعد شيء ، كما : حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : حدثنا ، عن أبـي رجاء ، قال : تلا الـحسن : « وَقُرآناً فَرَّقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلـى النَّاسِ عَلـى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً » قال : كان الله تبـارك وتعالـى ينزل هذا القرآن بعضه قبل بعض لـما علـم أنه سيكون ويحدث فـي الناس ، لقد ذكر لنا أنه كان بـين أوّله وآخره ثمانـي عشرة سنة ، قال : فسألته يوماً علـى سخطة ، فقلت : يا أبـا سعيد « وَقُرآنا فَرَّقْناهُ » فثقلها أبو رجاء ، فقال الـحسن : لـيس فرّقناه ، ولكن فرَقناه ، فقرأ الـحسن مخففة . قلت : من يُحدثك هذا يا أبـا سعيد أصحاب مـحمد ؟ قال : فمن يحدّثنـيه قال : أنزل علـيه بـمكة قبل أن يهاجر إلـى الـمدينة ثمانـي سنـين ، وبـالـمدينة عشر سنـين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقُرآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأهُ عَلـى النَّاسِ عَلـى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً } لـم ينزل فـي لـيـلة ولا لـيـلتـين ، ولا شهر ولا شهرين ، ولا سنة ولا سنتـين ، ولكن كان بـين أوّله وآخره عشرون سنة ، وما شاء الله من ذلك . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الـحسن ، قال : كان يقول : أنزل علـى نبـيّ الله القرآن ثمانـي سنـين ، وعشراً بعد ما هاجر . وكان قتادة يقول : عشراً بـمكة ، وعشراً بـالـمدينة .