Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني بذلك تعالـى ذكره حكم ربك يا مـحمد بأمره إياكم ألا تعبدوا إلا الله ، فإنه لا ينبغي أن يعبد غيره . وقد اختلفت ألفـاظ أهل التأويـل فـي تأويـل قوله { وَقَضَى رَبُّكَ } وإن كان معنى جميعهم فـي ذلك واحداً . ذكر ما قالوا فـي ذلك : حدثنـي علـيّ بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاه } يقول : أمر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الـحكم بن بشير ، قال : ثنا زكريا بن سلام ، قال : جاء رجل إلـى الـحسن ، فقال : إنه طلق امرأته ثلاثاً ، فقال : إنك عصيتَ ربك ، وبـانت منك امرأتك ، فقال الرجل : قضى الله ذلك علـيّ ، قال الـحسن ، وكان فصيحاً : ما قضى الله : أي ما أمر الله ، وقرأ هذه الآية { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ } فقال الناس : تكلـم الـحسن فـي القدر . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ } : أي أمر ربك فـي ألا تعبدوا إلا إياه ، فهذا قضاء الله العاجل ، وكان يُقال فـي بعض الـحكمة : من أرضى والديه : أرض خالقه ، ومن أسخط والديه ، فقد أسخط ربه . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدوا إلاَّ إيَّاهُ } قال : أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، وفـي حرف ابن مسعود : « وَصَّى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ » . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، قال : ثنا نصير بن أبـي الأشعث ، قال : ثنـي ابن حبـيب بن أبـي ثابت ، عن أبـيه ، قال : أعطانـي ابن عبـاس مصحفـاً ، فقال : هذا علـى قراءة أبـيّ بن كعب ، قال أبو كريب : قال يحيى : رأيت الـمصحف عند نصير فـيه : « وَوَصَّى رَبُّكَ » يعنـي : وقضى ربك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ } قال : وأوصى ربك . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ } قال : أمر ألا تعبدوا إلا إياه . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيـم ، عن أبـي إسحاق الكوفـي ، عن الضحاك بن مزاحم ، أنه قرأها : « وَوَصَّى رَبُّكَ » وقال : إنهم ألصقوا الواو بـالصاد فصارت قافـا . وقوله : { وَبـالوَالِدَيْنِ إحْساناً } يقول : وأمركم بـالوالدين إحساناً أن تـحسنوا إلـيهما وتبرّوهما . ومعنى الكلام : وأمركم أن تـحسنوا إلـى الوالدين فلـما حذفت « أن » تعلق القضاء بـالإحسان ، كما يقال فـي الكلام : آمرك به خيراً ، وأوصيك به خيراً ، بـمعنى : آمرك أن تفعل به خيراً ، ثم تـحذف « أن » فـيتعلق الأمر والوصية بـالـخير ، كما قال الشاعر : @ عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إذْ تَشْكُونا ومِنْ أبـي دَهْماءَ إذْ يُوصِينا خَيْراً بها كأننا جافُونا @@ فاعمل يوصينا فـي الخير . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله { إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما } فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة ، وبعض قرّاء الكوفـيـين : { إمَّا يَبْلُغَنَّ } علـى التوحيد علـى توجيه ذلك إلـى أحدهما لأن أحدهما واحد ، فوحدوا { يَبْلُغَنَّ } لتوحيده ، وجعلوا قوله { أوْ كِلاهُما } معطوفـاً علـى الأحد . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين : « إما يَبْلُغانّ » علـى التثنـية وكسر النون وتشديدها ، وقالوا : قد ذكر الوالدان قبل ، وقوله : « يَبْلُغانّ » خبر عنهما بعد ما قدّم أسماءهما . قالوا : والفعل إذا جاء بعد الاسم كان الكلام أن يكون فـيه دلـيـل علـى أنه خبر عن اثنـين أو جماعة . قالوا : والدلـيـل علـى أنه خبر عن اثنـين فـي الفعل الـمستقبل الألف والنون . قالوا : وقوله { أحَدُهُما أوْ كِلاهُما } كلام مستأنف ، كما قـيـل : { فَعَمُوا وَصَمُّوا ثم تَاب اللّهُ عَلَـيْهِمْ ، ثم عَمُوا وَصَمُّوا كَثِـيرٌ منهُمْ } وكقوله { وأسَرُّوا النَّـجْوَى } ثم ابتدأ فقال { الَّذِينَ ظَلَـمُوا } وأولـى القراءتـين بـالصواب عندي فـي ذلك ، قراءة من قرأه { إما يَبْلُغَنَّ } علـى التوحيد علـى أنه خبر عن أحدهما ، لأن الـخبر عن الأمر بـالإحسان فـي الوالدين ، قد تناهى عند قوله { وَبـالوَالِدَيْنِ إحْساناً } ثم ابتدأ قوله { إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما } . وقوله : { فَلا تَقُلْ لَهُما أُفَ } يقول : فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مـما يتأذّى به الناس ، ولكن اصبر علـى ذلك منهما ، واحتسب فـي الأجر صبرك علـيه منهما ، كما صبراً علـيك فـي صغرك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا مـحمد بن مـحبب ، قال : ثنا سفـيان ، عن لـيث ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { فَلا تَقُلْ لَهُما أُفّ وَلا تَنْهَرْهُما } قال : إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويخرآن ، فلا تقل لهما أفّ تقذّرهما . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : إما يَبْلُغانِّ عِندك الكبر فلا تَقُل لهما أف حين ترى الأذى ، وتـميط عنهما الـخلاء والبول ، كما كانا يـميطانه عنك صغيرا ، ولا تؤذهما . وقد اختلف أهل الـمعرفة بكلام العرب فـي معنى « أفّ » ، فقال بعضهم : معناه : كلّ ما غلظ من الكلام وقبُح . وقال آخرون : الأفّ : وسخ الأظفـار والتف كلّ ما رفعت بـيدك من الأرض من شيء حقـير . وللعرب فـي « أُفّ » لغات ستّ رفعها بـالتنوين وغير التنوين وخفضها كذلك ونصبها فمن خفض ذلك بـالتنوين ، وهي قراءة عامة أهل الـمدينة . شبهها بـالأصوات التـي لا معنى لها ، كقولهم فـي حكاية الصوت غاق غاق ، فخفضوا القاف ونوّنوها ، وكان حكمها السكون ، فإنه لا شيء يعربها من أجل مـجيئها بعد حرف ساكن وهو الألف ، فكرهوا أن يجمعوا بـين ساكنـين ، فحرّكوا إلـى أقرب الـحركات من السكون ، وذلك الكسر ، لأن الـمـجزوم إذا حرّك ، فإنـما يحرّك إلـى الكسر . وأما الذين خفضوا بغير تنوين ، وهي قراءة عامة قرّاء الكوفـيـين والبصريـين ، فإنهم قالوا : إنـما يدخـلون التنوين فـيـما جاء من الأصوات ناقصا ، كالذي يأتـي علـى حرفـين مثل : مَه وصَه وبَخ ، فـيتـمـم بـالتنوين لنقصانه عن أبنـيه الأسماء . قالوا : وأفّ تامّ لا حاجة بنا إلـى تتـمته بغيره ، لأنه قد جاء علـى ثلاثة أحرف . قالوا : وإنـما كسرنا الفـاء الثانـية لئلا نـجمع بـين ساكنـين . وأما من ضمّ ونوّن ، فإنه قال : هو اسم كسائر الأسماء التـي تُعرب ولـيس بصوت ، وعدل به عن الأصوات . وأما من ضمّ ذلك بغير تنوين ، فإنه قال : لـيس هو بـاسم متـمكن فـيُعرب بإعراب الأسماء الـمتـمكنة ، وقالوا : نضمه كما نضمّ قوله { لِلّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ } ، وكما نضمّ الاسم فـي النداء الـمفرد ، فنقول : يا زيد . ومن نصبه بغير تنوين ، وهو قراءة بعض الـمكيـين وأهل الشام فإنه شبهه بقولهم : مدّ يا هذا وردّ . ومن نصب بـالتنوين ، فإنه أعمل الفعل فـيه ، وجعله اسماً صحيحاً ، فـيقول : ما قلت له : أفـاً ولا تفـاً . وكان بعض نـحويـي البصرة يقول : قُرِئت : أفّ ، وأفـا لغة جعلوها مثل نعتها . وقرأ بعضهم « أُفّ » ، وذلك أن بعض العرب يقول : « أفّ لك » علـى الـحكاية : أي لا تقل لهما هذا القول . قال : والرفع قبـيح ، لأنه لـم يجيء بعده بلام ، والذين قالوا : « أُفّ » فكسروا كثـير ، وهو أجود . وكسر بعضهم ونوّن . وقال بعضهم : « أُفّـي » ، كأنه أضاف هذا القول إلـى نفسه ، فقال : أُفّـي هذا لكما ، والـمكسور من هذا منوّن وغير منوّن علـى أنه اسم غير متـمكن ، نـحو أمس وما أشبهه ، والـمفتوح بغير تنوين كذلك . وقال بعض أهل العربـية : كل هذه الـحركات الستّ تدخـل فـي « أفّ » حكاية تشبه بـالاسم مرّة وبـالصوت أخرى . قال : وأكثر ما تُكسر الأصوات بـالتنوين إذا كانت علـى حرفـين مثل صه ومه وبخ . وإذا كانت علـى ثلاثة أحرف شبهت بـالأدوات « أفَّ » مثل : لـيت ومَدَّ ، وأُفِّ مثل مُدِّ يُشبه بـالأدوات . وإذا قال أَفَّ مثل صَهَّ . وقالوا سمعت مِضِّ يا هذا ومِضُّ . وحُكي عن الكسائي أنه قال : سمعت « ما علـمك أهلك إلا مِضِّ ومِضُّ » ، وهذا كأفِّ وأفُّ . ومن قال : « أُفًّـا » جعله مثل سُحْقا وبُعدا . والذي هو أولـى بـالصحة عندي فـي قراءة ذلك ، قراءة من قرأه : « فلا تَقُلْ لَهُما أُفِّ » بكسر الفـاء بغير تنوين لعلَّتـين إحداهما : أنها أشهر اللغات فـيها وأفصحها عند العرب والثانـية : أن حظّ كلّ ما لـم يكن له معرَب من الكلام السكون فلـما كان ذلك كذلك . وكانت الفـاء فـي أفّ حظها الوقوف ، ثم لـم يكن إلـى ذلك سبـيـل لاجتـماع الساكنـين فـيه ، وكان حكم الساكن إذا حُرّك أن يحرّك إلـى الكسر حرّكت إلـى الكسر ، كما قـيـل : مُدِّ وشُدِّ ورُدِّ البـاب . وقوله : { وَلا تَنْهَرْهُما } يقول جلّ ثناؤه : ولا تزجُرهما . كما : حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمَسي ، قال : ثنا مـحمد بن عبـيد ، قال : ثنا واصل الرَّقاشَيّ ، عن عطاء ابن أبـي رَبـاح ، فـي قوله : { وَلا تَقُلْ لَهُما أُفَ وَلا تَنْهَرْهُما } قال : لا تنفض يدك علـى والديك . يقال منه : نَهرَه يَنهره نَهْراً ، وانتهره ينتهره انتهاراً . وأما قوله : { وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـماً } فإنه يقول جلّ ثناؤه : وقل لهما قولاً جميلاً حسناً . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج { وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـماً } قال : أحسن ما تـجد من القول . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا الـمتعمر بن سلـيـمان ، عن عبد الله بن الـمختار ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، عن عمر بن الـخطاب { قَوْلاً كَرِيـماً } قالا : لا تـمتنع من شيء يريدانه . قال أبو جعفر : وهذا الـحديث خطأ ، أعنـي حديث هشام بن عُروة ، إنـما هو عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، لـيس فـيه عمر ، حدّث عن ابن عُلـية وغيره ، عن عبد الله بن الـمختار . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـماً } : أي قولاً لـيِّناً سهلاً . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنـي حَرْملة بن عمران ، عن أبـي الهَدَّاج التُّـجِيبـي ، قال : قلت لسعيد بن الـمسيب : كلّ ما ذكر الله عزّ وجلّ فـي القرآن من برّ الوالدين ، فقد عرفته ، إلاَّ قوله { وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـماً } ما هذا القول الكريـم ؟ فقال ابن الـمسيب : قول العبد الـمذنب للسيد الفظّ …