Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 24-24)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : وكن لهما ذلـيلاً رحمة منك بهما تطيعهما فـيـما أمراك به مـما لـم يكن لله معصية ، ولا تـخـلفهما فـيـما أحبَّـا . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، فـي قوله { وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ } قال : لا تـمتنع من شيء يُحبـانه . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، قال : سمعت هشام بن عروة ، عن أبـيه ، فـي قوله { وَاخْفِض لَهُما جنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ } قال : هو أن تلـين لهما حتـى لا تـمتنع من شيء أحبَّـاه . حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم ، قال : ثنا أيوب بن سويد ، قال : ثنا الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، فـي قوله { وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ } قال : لا تـمتنع من شيء أحبـاه . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَـية ، عن عبد الله بن الـمختار ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، فـي قوله { وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ } قال : هو أن لا تـمتنع من شيء يريدانه . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الـمقرىء أبو عبد الرحمن ، عن حرملة بن عمران ، عن أبـي الهداج ، قال : قلت لسعيد بن الـمسيب : ما قوله { وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ } قال : ألـم تر إلـى قول العبد الـمذنب للسيد الفظّ الغلـيظ . والذُّلّ بضم الذال والذّلَّة مصدران من الذلـيـل ، وذلك أن يتذلل ، ولـيس بذلـيـل فـي الـخـلقة من قول القائل : قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلاً ، وذلك نظير القلّ والقلة ، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذُّلّ ، والقاف من القُلّ ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذِّلة ، والقاف من القِلَّة ، لـما قال الأعشى : @ وَمَا كُنْتُ قُلاًّ قبلَ ذلكَ أزْيَبَـا @@ يريد : القلة . وأما الذِّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذَّلول من قولهم : دابة ذَلول : بـينة الذلّ ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة . ومنه قول الله جلّ ثناؤه : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً } يُجمع ذُلُلاً ، كما قال جلّ ثناؤه : { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكَ ذُلُلاً } وكان مـجاهد يتأوّل ذلك أنه لا يتوعَّر علـيها مكان سلكته . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء الـحجاز والعراق والشام { وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذُّلّ } بضمّ الذال علـى أنه مصدر من الذلـيـل . وقرأ ذلك سعيد بن جبـير وعاصم الـجَحْدَرِيّ : « جنَاحَ الذِّلّ » بكسر الذال . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا بهز بن أسد ، قال : ثنا أبو عَوانة ، عن أبـي بشر ، عن سعيد بن جبـير أنه قرأ : « وَاخْفِضْ لَهُما جُناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ قال : كن لهما ذلـيلاً ، ولا تكن لهما ذلولاً . حدثنا نصر بن علـيّ ، قال : أخبرنـي عمر بن شقـيق ، قال : سمعت عاصماً الـجحدري يقرأ : « وَاخْفِضْ لَهُما جنَاجَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » قال : كن لهما ذلـيلاً ، ولا تكن لهما ذَلولاً . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عمر بن شقـيق ، عن عاصم ، مثله . قال أبو جعفر : وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله عاصم كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها . حدثنا نصر وابن بشار وحُدثت عن الفراء ، قال : ثنـي هشيـم ، عن أبـي بشر جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبـير ، أنه قرأ : « وَاخفِضْ لَهُما جنَاحَ الذِّلِّ » . قال الفرّاء : وخبرنـي الـحكـم بن ظهير ، عن عاصم بن أبـي النَّـجود ، أنه قرأها الذِّلّ أيضاً ، فسألت أبـا بكر فقال : الذِّلّ قرأها عاصم . وأما قوله : { وَقُلْ رَبّ ارْحمْهُما كمَا رَبَّـيَانِـي صَغِيراً } فإنه يقول : ادع الله لوالديك بـالرحمة ، وقل ربّ ارحمهما ، وتعطف علـيهما بـمغفرتك ورحمتك ، كما تعطَّفـا علـيّ فـي صغري ، فرحمانـي وربـيانـي صغيراً ، حتـى استقللت بنفسي ، واستغنـيت عنهما . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبّ ارْحَمْهُما كمَا رَبَّـيانِـي صَغِيراً } هكذا عُلِّـمتـم ، وبهذا أمرتـم ، خذوا تعلـيـم الله وأدبه . ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو مادّ يديه رافع صوته يقول : " مَنْ أدْرَكَ وَالِدَيهِ أوْ أحَدَهُما ثُمَّ دَخَـلَ النَّارَ بَعْدَ ذلكَ فَأبْعَدَهُ اللّهُ وأسْحَقَهُ " ولكن كانوا يرون أنه من بَرّ والديه ، وكان فـيه أدنى تُقـي ، فإن ذلك مُبْلِغه جسيـم الـخير . وقال جماعة من أهل العلـم : إن قول الله جلّ ثناؤه : { وَقُل رَبّ ارحَمْهُما كمَا رَبَّـيانِـي صَغِيراً } منسوخ بقوله : { ما كانَ للنَّبِـيّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكِينَ وَلَو كانُوا أُولـي قُربَى من بَعْدِ ما تَبَـيَّنَ لَهُم أنَّهُم أصْحابُ الـجَحِيـمِ } ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ بن داود ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَقُل رَبّ ارحَمْهُما كمَا رَبَّـيانِـي صَغِيراً } ثم أنزل الله عزّ وجلّ بعد هذا : { ما كانَ للنَّبِـيّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكِينَ وَلَو كانُوا أُولـي قُربَى } حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الـحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، قال فـي سورة بنـي إسرائيـل { إمَّا يَبْلُغانّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أو كِلاهُما } … إلـى قوله { وَقُل رَبّ ارْحَمْهُما كمَا رَبَّـيانِـي صَغِيراً } فنسختها الآية التـي فـي براءة { ما كانَ للنَّبِـيّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولـي قُرْبَى } … الآية . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عبـاس { وَقُلْ رَبّ ارْحَمْهُما } … الآية ، قال : نسختها الآية التـي فـي براءة { ما كانَ للنَّبِـيّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكينَ } … الآية . وقد تـحتـمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عامًّا فـي كلّ الآبـاء بغير معنى النسخ ، بأن يكون تأويـلها علـى الـخصوص ، فـيكون معنى الكلام : وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنـين ، كما رَبـيانـي صغيراً ، فتكون مراداً بها الـخصوص علـى ما قلنا غير منسوخ منها شيء . وعَنَى بقول ربـيانـي : نَـمَّيَانـي .