Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول جل ثناؤه : وقضى أيضاً أن { لا تَقْتُلُوا } أيها الناس { النَّفْسَ التـي حَرَّمَ اللّهُ } قتلها { إلاَّ بـالـحَقّ } وحقها أن لا تقتل إلا بكفر بعد إسلام ، أو زنا بعد إحصان ، أو قود نفس ، وإن كانت كافرة لـم يتقدّم كفرها إسلام ، فأن لا يكون تقدم قتلها لها عهد وأمان ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { وَلا تقْتُلُوا النَّفْسَ التـي حَرَّمَ اللّهُ إلاَّ بـالـحَقّ } وإنا والله ما نعلـم بحلّ دم امرىء مسلـم إلاَّ بإحدى ثلاث ، إلا رجلاً قتل متعمداً ، فعلـيه القَوَد ، أو زَنى بعد إحصانه فعلـيه الرجم أو كفر بعد إسلامه فعلـيه القتل . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيـينة ، عن الزهريّ ، عن عُروة أو غيره ، قال : قـيـل لأبـي بكر : أتقتل من يرى أن لا يؤدي الزكاة ، قال : لو منعونـي شيئاً مـما أقروا به لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم . فقـيـل لأبـي بكر : ألـيس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتـى يَقُولُوا : لا إلَه إلاَّ اللّهُ ، فإذَا قالُوها عَصَمُوا مِنّـي دِماءهُمْ وأمْوالُهم إلاَّ بِحَقِّها ، وحِسابُهُمْ عَلـى اللّهِ " فقال أبو بكر : هذا من حقها . حدثني موسى بن سهل ، قال : ثنا عمرو بن هاشم ، قال : ثنا سلـيـمان بن حيان ، عن حميد الطويـل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُمِرْتُ أنْ أُقاتِل النَّاسِ حتـى يقُولُوا لا إلَه إلاَّ اللّهُ ، فإذَا قالُوها عَصمُوا مِنَّى دِماءهُمْ وأمْوالهُمْ إلاَّ بِحَقِّها وحِسابُهمْ عَلـى اللّهِ " قـيـل : وما حقها ؟ قال : " زِنا بَعْد إحْصانٍ ، وكُفْرٌ بَعْد إيـمَانٍ ، وقَتْلُ نَفْسٍ فَـيُقْتَلُ بِها " وقوله : { ومَنْ قُتِل مَظْلُوماً } يقول : ومن قتل بغير الـمعانـي التـي ذكرنا أنه إذا قتل بها كان قتلاً بحقّ { فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيِّهِ سُلْطاناً } يقول : فقد جعلنا لولـيّ الـمقتول ظلـماً سلطاناً علـى قاتل ولـيه ، فإن شاء استقاد منه فقتله بولـيه ، وإن شاء عفـا عنه ، وإن شاء أخذ الدية . وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى السلطان الذي جُعل لولـيّ الـمقتول ، فقال بعضهم فـي ذلك ، نـحو الذي قُلنا . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { ولا تَقْتَلُوا النَّفْسَ التـي حَرَّمَ اللّهُ إلاَّ بـالـحَقّ وَمَنْ قُتِل مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لولـيِّه سُلْطاناً } قال : بـيِّنة من الله عزّ وجلّ أنزلها يطلبها ولـيّ الـمقتول ، العَقْل ، أو القَوَد ، وذلك السلطان . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن جُويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، فـي قوله : { فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيِّهِ سُلْطاناً } قال : إن شاء عفـا ، وإن شاء أخذ الدية . وقال آخرون : بل ذلك السلطان : هو القتل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمَنْ قُتِل مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيِّهِ سُلْطاناً } وهو القَوَد الذي جعله الله تعالـى . وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلك تأويـل من تأول ذلك : أن السلطان الذي ذكر الله تعالـى فـي هذا الـموضع ما قاله ابن عبـاس ، من أن لولـيّ القتـيـل القتل إن شاء وإن شاء أخذ الدية ، وإن شاء العفو ، لصحة الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتـح مكة : " ألا وَمن قُتِل لَهُ قَتِـيـلٌ فَهُو بِخَيْرِ النَّظَريْنِ بـينِ أنْ يَقْتُل أوْ يأْخُذ الدّيَة " وقد بـيَّنت الـحكم فـي ذلك فـي كتابنا : كتاب الـجراح . وقوله : { فَلا يُسْرِفْ فـي القَتْلِ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء الكوفة : « فلا تُسْرِفْ » بـمعنى الـخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والـمراد به هو والأئمة من بعده ، يقول : فلا تقتل بـالـمقتول ظُلْـما غير قاتله ، وذلك أن أهل الـجاهلـية كانوا يفعلون ذلك إذا قتل رجل رجلاً عمد ولـيّ القتـيـل إلـى الشريف من قبـيـلة القاتل ، فقتله بولـيه ، وترك القاتل ، فنهى الله عزّ وجلّ عن ذلك عبـاده ، وقال لرسوله علـيه الصلاة والسلام : قتل غير القاتل بـالـمقتول معصية وسرف ، فلا تقتل به غير قاتله ، وإن قتلت القاتل بـالـمقتول فلا تـمثِّل به . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة : { فَلا يُسْرِفْ } بـالـياء ، بـمعنى فلا يسرف ولـيّ الـمقتول ، فـيقتل غير قاتل ولـيه . وقد قـيـل : عنى به : فلا يسرف القاتل الأول لأولـي الـمقتول . والصواب من القول فـي ذلك عندي ، أن يقال : إنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى ، وذلك أن خطاب الله تبـارك وتعالـى نبـيه صلى الله عليه وسلم بأمر أو نهى فـي أحكام الدين ، قضاء منه بذلك علـى جميع عبـاده ، وكذلك أمره ونهيه بعضهم ، أمر منه ونهى جميعهم ، إلا فـيـما دلّ فـيه علـى أنه مخصوص به بعض دون بعض ، فإذا كان ذلك كذلك بـما قد بـيَّنا فـي كتابنا كتاب البـيان ، عن أصول الأحكام فمعلوم أن خطابه تعالـى بقوله { فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ } نبـيه صلى الله عليه وسلم ، وإن كان موجَّهاً إلـيه أنه معنّى به جميع عبـاده ، فكذلك نهيه ولـيّ الـمقتول أو القاتل عن الإسراف فـي القتل ، والتعدّي فـيه نهى لـجميعهم ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب صواب القراءة فـي ذلك . وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـلهم ذلك نـحو اختلاف القرّاء فـي قراءتهم إياه . ذكر من تأوّل ذلك بـمعنى الـخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن منصور ، عن طلق بن حبـيب ، فـي قوله : { فَلا تُسْرِفْ } فـي القَتْلِ قال : لا تقتل غير قاتله ، ولا تـمثِّل به . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير . عن منصور ، عن طلق بن حبـيب ، بنـحوه . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبـير ، فـي قوله : { فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ } قال : لا تقتل اثنـين بواحد . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ ، يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ إنَّهُ كان مَنْصُوراً } كان هذا بـمكة ، ونبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بها ، وهو أوّل شيء نزل من القرآن فـي شأن القتل ، كان الـمشركون يغتالون أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال الله تبـارك وتعالـى : من قتلكم من الـمشركين ، فلا يحملنَّكم قتله إياكم عن أن تقتلوا له أبـا أو أخا أو أحدا من عشيرته ، وإن كانوا مشركين ، فلا تقتلوا إلا قاتلكم وهذا قبل أن تنزل براءة ، وقبل أن يؤمروا بقتال الـمشركين ، فذلك قوله : { فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ } يقول : لا تقتل غير قاتلك ، وهي الـيوم علـى ذلك الـموضع من الـمسلـمين ، لا يحلّ لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم . ذكر من قال : عُنِـي ولـيّ الـمقتول : حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : ثنا أبو رجاء ، عن الـحسن ، فـي قوله : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيِّهِ سُلْطاناً } قال : كان الرجل يُقتل فـيقول ولـيه : لا أرضى حتـى أقتل به فلانا وفلانا من أشراف قبـيـلته . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ } قال : لا تقتل غير قاتلك ، ولا تـمثِّل به . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَلا يُسْرِفْ فـي القَتْلِ } قال : لا يقتل غير قاتله من قَتَل بحديدة قُتل بحديدة ومن قَتَل بخشبة قُتِل بخشبة ومن قَتل بحجر قُتل بحجر . ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إنَّ منْ أعْتَـى النَّاسِ علـى اللّهِ جَلَّ ثَناؤُهُ ثَلاَثَةً : رَجُلٌ قَتَلَ غيرَ قاتِلِهِ ، أوْ قَتَلَ بدَخَنٍ فِـي الـجاهِلِـيَّةِ ، أوْ قَتَلَ فِـي حَرَمِ اللّهِ " حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته ، يعنـي ابن زيد ، يقول فـي قول الله جلّ ثناؤه { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِـيِّهِ سُلْطاناً } قال : إن العرب كانت إذا قُتل منهم قتـيـل ، لـم يرضوا أن يقتلوا قاتل صاحبهم ، حتـى يقتلوا أشرف من الذي قتله ، فقال الله جلّ ثناؤه { فَقَدْ جَعَلَنا لِوَلِـيِّهِ سُلْطاناً } ينصره وينتصف من حقه { فلا يُسْرِفْ فِـي القَتْلِ } يقتل بريئا . ذكر من قال عُنِـي به القاتل : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثـير عن مـجاهد { فَلا يُسْرِفْ فِـي القَتْلِ } قال : لا يسرف القاتل فـي القتل . وقد ذكرنا الصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ، وإذا كان كلا وجهي القراءة عندنا صوابـاً ، فكذلك جميع أوجه تأويـله التـي ذكرناها غير خارج وجه منها من الصواب ، لاحتـمال الكلام ذلك وإن فـي نهي الله جلّ ثناؤه بعض خـلقه عن الإسراف فـي القتل ، نهى منه جميعَهم عنه . وأما قوله : { إنَّهُ كانَ مَنْصُوراً } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيـمن عُنِـي بـالهاء التـي فـي قوله { إنَّهُ } وعلـى ما هي عائدة ، فقال بعضهم : هي عائدة علـى ولـيّ الـمقتول ، وهو الـمعنـيّ بها ، وهو الـمنصور علـى القاتل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { إنَّهُ كانَ مَنْصُوراً } قال : هو دفع الإمام إلـيه ، يعنـي إلـى الولـيّ ، فإن شاء قتل ، وإن شاء عفـا . وقال آخرون : بل عُنِـي بها الـمقتول ، فعلـى هذا القول هي عائدة علـى « مَن » فـي قوله : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً } . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثـير ، عن مـجاهد { إنَّهُ كانَ مَنْصُوراً } إن الـمقتول كان منصوراً . وقال آخرون : عُنِـي بها دم الـمقتول ، وقالوا : معنى الكلام : إن دم القتـيـل كان منصوراً علـى القاتل . وأشبه ذلك بـالصواب عندي . قول من قال عُنِـي بها الولـيّ ، وعلـيه عادت ، لأنه هو الـمظلوم ، وولـيه الـمقتول ، وهي إلـى ذكره أقرب من ذكر الـمقتول ، وهو الـمنصور أيضاً ، لأن الله جلّ ثناؤه قضى فـي كتابه الـمنزل ، أن سلَّطه علـى قاتل ولـيه ، وحكَّمه فـيه ، بأن جعل إلـيه قتله إن شاء ، واستبقاءه علـى الدية إن أحبّ ، والعفو عنه إن رأى ، وكفـى بذلك نُصرة له من الله جلّ ثناؤه ، فلذلك قلنا : هو الـمعنـيّ بـالهاء التـي فـي قوله : { إنَّهُ كانَ مَنْصُوراً } .