Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : لعلّ ربكم يا بنـي إسرائيـل أن يرحمكم بعد انتقامه منكم بـالقوم الذين يبعثهم الله علـيكم لـيسوء مبعثه علـيكم وجوهكم ، ولـيدخـلوا الـمسجد كما دخـلوه أوّل مرّة ، فـيستنقذكم من أيديهم ، وينتشلكم من الذلّ الذي يحله بكم ، ويرفعكم من الـخمولة التـي تصيرون إلـيها ، فـيعزّكم بعد ذلك . و « عسى » من الله : واجب . وفعل الله ذلك بهم ، فكثر عددهم بعد ذلك ، ورفع خَساستهم ، وجعل منهم الـملوك والأنبـياء ، فقال جلّ ثناؤه لهم : وإن عدتـم يا معشر بنـي إسرائيـل لـمعصيتـي وخلاف أمري ، وقتل رسلـي ، عدنا علـيكم بـالقتل والسِّبـاء ، وإحلال الذلّ والصَّغار بكم ، فعادوا ، فعاد الله علـيهم بعقابه وإحلال سخطه بهم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، عن عمر بن ثابت ، عن أبـيه ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عَدْنا } قال : عادوا فعاد ، ثم عادوا فعاد ، ثم عادوا فعاد . قال : فسلَّط الله علـيهم ثلاثة ملوك من ملوك فـارس : سندبـادان وشهربـادان وآخر . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قال : قال الله تبـارك وتعالـى بعد الأولـى والآخرة : { عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا } قال : فعادوا فسلَّط الله علـيهم الـمؤمنـين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال { عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ } فعاد الله علـيهم بعائدته ورحمته { وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا } قال : عاد القوم بشرّ ما يحضرهم ، فبعث الله علـيهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته . ثم كان ختام ذلك أن بعث الله علـيهم هذا الـحيّ من العرب ، فهم فـي عذاب منهم إلـى يوم القـيامة قال الله عزّ وجلّ فـي آية أخرى { وَإذْ تَأذَّنَ رَبُّكَ لَـيَبْعَثنَّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ } … الآية ، فبعث الله علـيهم هذا الـحيّ من العرب . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال { عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا } فعادوا ، فبعث الله علـيهم مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، فهم يعطون الـجزية عن يد وهم صاغرون . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قول الله تعالـى : { عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ } قال بعد هذا { وَإنْ عُدْتُـمْ } لـما صنعتـم لـمثل هذا من قتل يحيى وغيره من الأنبـياء { عُدْنا } إلـيكم بـمثل هذا . وقوله : { وَجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للكافِرِينَ حَصِيراً } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : وجعلنا جهنـم للكافرين سجناً يسجنون فـيها . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن مَسْعدة ، قال : ثنا جعفر بن سلـيـمان ، عن أبـي عمران { وجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للكافِرِين حَصِيراً } قال : سجناً . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للكافِرِينَ حَصِيراً } يقول : جعل الله مأواهم فـيها . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للكافِرِينَ حَصِيراً } قال : مَـحْبِساً حَصُوراً . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للْكافِرِينَ حَصِيراً } يقول : سجناً . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى : حَصِيرا قال : يحصرون فـيها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد { وَجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للْكافِرِينَ حَصِيراً } قال : يُحصرون فـيها . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للكافِرِينَ حَصِيراً } سجناً يسجنون فـيها حصروا فـيها . حدثنا علـيّ بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله { وَجَعَلْنا جَهَنَّـمَ للكافِرِينَ حَصِيراً } يقول : سجناً . وقال آخرون : معناه : وجعلنا جهنـم للكافرين فراشاً ومهاداً . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الـحسن : الـحصير : فِراش ومِهاد . وذهب الـحسن بقوله هذا إلـى أن الـحصير فـي هذا الـموضع عنـي به الـحصير الذي يُبْسط ويفترش ، وذلك أن العرب تسمى البساط الصغير حصيرا ، فوجَّه الـحسن معنى الكلام إلـى أن الله جعل جهنـم للكافرين به بساطاً ومهاداً ، كما قال : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّـمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } وهو وجه حسن وتأويـل صحيح . وأما الآخرون ، فوجهوه إلـى أنه فعيـل من الـحصر الذي هو الـحبس . وقد بـيَّنت ذلك بشواهده فـي سورة البقرة ، وقد تسمي العرب الـملك حصيراً بـمعنى أنه مـحصور : أي مـحجوب عن الناس ، كما قال لبـيد : @ وَمَقامَةٍ غُلْبِ الرَّقابِ كأنَّهُمْ جِنٌّ لَدَى بـابِ الـحَصِيرِ قِـيامُ @@ يعنـي بـالـحصير : الـملك ، ويقال للبخيـل : حصور وحصر : لـمنعه ما لديه من الـمال عن أهل الـحاجة ، وحبسه إياه عن النفقة ، كما قال الأخطل : @ وَشارِبٍ مُرْبحٍ بـالكأْسِ نادَمَنِي لا بـالـحَصُورِ وَلا فِـيها بِسَوَّارِ @@ ويروى : بسآر . ومنه الـحصر فـي الـمنطق لامتناع ذلك علـيه ، واحتبـاسه إذا أراده . ومنه أيضا الـحصور عن النساء لتعذّر ذلك علـيه ، وامتناعه من الـجماع ، وكذلك الـحصر فـي الغائط : احتبـاسه عن الـخروج ، وأصل ذلك كله واحد وإن اختلفت ألفـاظه . فأما الـحصيران : فـالـجنبـان ، كماقال الطرّماح : @ قَلِـيلاً تَتَلَّـى حاجَةً ثُمَّ عُولِـيَتْ عَلـى كُلّ مَفْرُوشِ الـحَصِيرَيْنِ بـادِنِ @@ يعنـي بـالـحصيرين : الـجنبـين . والصواب من القول فـي ذلك عندي أي يقال : معنى ذلك : { وَجَعَلْنا جَهَنَـمٍ للْكافرِينَ حَصِيراً } فراشاً ومهاداً لا يزايـله من الـحصير الذي بـمعنى البساط ، لأن ذلك إذا كان كذلك كان جامعاً معنى الـحبس والامتهاد ، مع أن الـحصير بـمعنى البساط فـي كلام العرب أشهر منه بـمعنى الـحبس ، وأنها إذا أرادت أن تصف شيئاً بـمعنى حبس شيء ، فإنـما تقول : هو له حاصر أو مـحصر فأما الـحصير فغير موجود فـي كلامهم ، إلا إذا وصفته بأنه مفعول به ، فـيكون فـي لفظ فعيـل ، ومعناه مفعول به ألا ترى بـيت لبـيد : لدى بـاب الـحصير ؟ فقال : لدى بـاب الـحصير ، لأنه أراد : لدى بـاب الـمـحصور ، فصرف مفعولاً إلـى فعيـل . فأما فعيـل فـي الـحصر بـمعنى وصفه بأنه الـحاصر . فذلك ما لا نـجده فـي كلام العرب ، فلذلك قلت : قول الـحسن أولـى بـالصواب فـي ذلك . وقد زعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن ذلك جائز ، ولا أعلـم لـما قال وجها يصحّ إلا بعيداً وهو أن يقال : جاء حصير بـمعنى حاصر ، كما قـيـل : علـيـم بـمعنى عالـم ، وشهيد بـمعنى شاهد ، ولـم يسمع ذلك مستعملاً فـي الـحاصر كما سمعنا فـي عالـم وشاهد .