Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 103-104)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } يا مـحمد لهؤلاء الذين يبغون عَنَتَك ويجادلونك بـالبـاطل ، ويحاورونك بـالـمسائل من أهل الكتابـين : الـيهود ، والنصارى { هَلْ نُنَبِّئُكُمْ } أيها القوم { بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } يعنـي بـالذين أتعبوا أنفسهم فـي عمل يبغون به ربحا وفضلاً ، فنالوا به عَطَبـاً وهلاكاً ولـم يدركوا طلبـاً ، كالـمشتري سلعة يرجو بها فضلاً وربحاً ، فخاب رجاؤه ، وخسر بـيعه ، ووكس فـي الذي رجا فضله . واختلف أهل التأويـل فـي الذين عُنوا بذلك ، فقال بعضهم : عُنِـي به الرهبـانْ والقسوس . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الـمقبري ، قال : ثنا حيوة بن شريح ، قال : أخبرنـي السكن بن أبـي كريـمة ، أن أمه أخبرته أنها سمعت أبـا خميصة عبد الله بن قـيس يقول : سمعت علـيّ بن أبـي طالب يقول فـي هذه الآية { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } : هم الرهبـان الذين حبسوا أنفسهم فـي الصوامع . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت حيوة يقول : ثنـي السكن بن أبـي كريـمة ، عن أمه أخبرته أنها سمعت عبد الله بن قـيس يقول : سمعت علـيّ بن أبـي طالب يقول ، فذكر نـحوه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن منصور ، عن هلال بن يِساف ، عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لأبـي : { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } أهم الـحَرورية ؟ قال : هم أصحاب الصوامع . حدثنا فضالة بن الفضل ، قال : قال بزيع : سأل رجل الضحاك عن هذه الآية { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } قال : هم القِسيسون والرهبـان . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن منصور ، عن هلال بن يِساف ، عن مصعب بن سعد ، قال : قال سعد : هم أصحاب الصوامع . حدثنا ابن حميد ، قال ثنا جرير ، عن منصور ، عن مصعب ابن سعد ، قال : قلت لسعد : يا أبت { هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } أهم الـحَرورية ، فقال : لا ، ولكنهم أصحاب الصوامع ، ولكن الـحَرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم . وقال آخرون : بل هم جميع أهل الكتابـين . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن مصعب بن سعد ، قال : سألت أبـي عن هذه الآية { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فـي الـحَياةِ الدُّنْـيا } أهم الـحَرورية ؟ قال : لا ، هم أهل الكتاب ، الـيهود والنصارى . أما الـيهود فكذبوا بـمـحمد . وأما النصارى فكفروا بـالـجنة وقالوا : لـيس فـيها طعام ولا شراب ، ولكن الـحَرورية { الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ويَقَطْعُونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فـي الأرض أُولَئِكَ هُمُ الـخاسِرُونَ } فكان سعد يسميهم الفـاسقـين . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن إبراهيـم بن أبـي حُرّة عن مصعب بن سعد بن أبـي وقاص ، عن أبـيه ، فـي قوله { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } قال : هم الـيهود والنصارى . حدثنا القاسم ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبـي حرب بن أبـي الأسود عن زاذان ، عن علـيّ بن أبـي طالب ، أنه سئل عن قوله : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } قال : هم كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم علـى حقّ ، فأشركوا بربهم ، وابتدعوا فـي دينهم ، الذين يجتهدون فـي البـاطل ، ويحسبون أنهم علـى حقّ ، ويجتهدون فـي الضلالة ، ويحسبون أنهم علـى هدى ، فضلّ سعيهم فـي الـحياة الدنـيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ثم رفعِ صوته ، فقال : وما أهل النار منهم ببعيد . وقال آخرون : بل هم الـخوارج . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفـيان بن سَلَـمة ، عن سلـمة بن كُهَيـل ، عن أبـي الطفـيـل ، قال : سأل عبد الله بن الكوّاء علـيا عن قوله : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } قال : أنتـم يا أهل حَروراء . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا يحيى بن أيوب ، عن أبـي صخر ، عن أبـي معاوية البجلـي ، عن أبـي الصهبـاء البكريّ ، عن علـيّ بن أبـي طالب ، أن ابن الكوّاء سأله ، عن قول الله عزّ وجلّ : { هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } فقال علـيّ : أنت وأصحابك . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن سلـمة بن كهيـل ، عن أبـي الطفـيـل ، قال : قام ابن الكوّاء إلى عليّ ، فقال : مَن الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم فـي الـحياة الدنـيا ، وهم يحسبون أنهم يحسبون صنعا ، قال : ويْـلَك أهلُ حَروراء منهم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مـحمد بن خالد ابن عَثْمة ، قال : ثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله ، قال : ثنـي أبو الـحويرث ، عن نافع بن جبـير بن مطعم ، قال : قال ابن الكوّاء لعلـيّ بن أبـي طالب : ما الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم فـي الـحياة الدنـيا ؟ قال : أنت وأصحابك . والصواب من القول فـي ذلك عندنا ، أن يقال : إن لله عزّ وجلّ عنى بقوله : { هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعمالاً } كلّ عامل عملاً يحسبه فـيه مصيبـا ، وأنه الله بفعله ذلك مطيع مرض ، وهو بفعله ذلك لله مسخط ، وعن طريق أهل الإيـمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد فـي ضلالتهم ، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بـالله كفرة ، من أهل أيّ دين كانوا . وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه نصب قوله { أعمالاً } ، فكان بعض نـحويـي البصرة يقول : نصب ذلك لأنه لـما أدخـل الألف واللام والنون فـي الأخسرين لـم يوصل إلـى الإضافة ، وكانت الأعمال من الأخسرين فلذلك نصب . وقال غيره : هذا بـاب الأفعلة والفُعْلَـى ، مثل الأفضل والفُضْلَـى ، والأخسر والـخُسْرَى ، ولا تدخـل فـيه الواو ، ولا يكون فـيه مفسر ، لأنه قد انفصل بـمن هو كقوله الأفضل والفُضْلَـى ، وإذا جاء معه مفسر كان للأوّل والآخر ، وقال : ألا ترى أنك تقول : مررت برجل حَسَنٍ وجها ، فـيكون الـحسن للرجل والوجه ، وكذلك كبـير عقلاً ، وما أشبهه قال : وإنـما جاز فـي الأخسرين ، لأنه ردّه إلـى الأفْعَل والأَفَعَلة . قال : وسمعت العرب تقول : الأوّلات دخولاً ، والآخرات خروجاً ، فصار للأوّل والثانـي كسائر البـاب قال : وعلـى هذا يقاس . وقوله : { الَّذيِنَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فـي الـحَياةِ الدُّنْـيا } يقول : هم الذين لـم يكن عملهم الذي عملوه فـي حياتهم الدنـيا علـى هدى واستقامة ، بل كان علـى جور وضلالة ، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل علـى كفر منهم به ، { وهُمْ يحسَبُونَ أنَّهُمْ يُحسِنُونَ صُنْعاً } يقول : وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون ، وفـيـما ندب عبـاده إلـيه مـجتهدون ، وهذا من أدلّ الدلائل علـى خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بـالله أحد إلا من حيث يقصد إلـى الكفر بعد العلـم بوحدانـيته ، وذلك أن الله تعالـى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم فـي هذه الآية ، أن سعيهم الذي سعوا فـي الدنـيا ذهب ضلالاً ، وقد كانوا يحسبون أنهم مـحسنون فـي صنعهم ذلك ، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم . ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بـالله أحد إلا من حيث يعلـم ، لوجب أن يكون هؤلاء القوم فـي عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فـيه أنهم يحسنون صنعه ، كانوا مثابـين مأجورين علـيها ، ولكن القول بخلاف ما قالوا ، فأخبر جلّ ثناؤه عنهم أنهم بـالله كفرة ، وأن أعمالهم حابطة . وزعنـي بقوله : { أنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً عملاً } ، والصنُّع والصنَّعة والصنـيع واحد ، يقال : فرس صنـيع بـمعنى مصنوع .