Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 17-17)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره { وَتَرَى الشَّمْسَ } يامـحمد { إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } . يعنـي بقوله : { تَزَاوَرُ } : تعدِل وتـميـل ، من الزِّوَر : وهو الْعِوَج والـميـل يقال منه : فـي هذه الأرض زَوَر : إذا كان فـيها اعوجاج ، وفـي فلان عن فلان ازْورار ، إذا كان فـيه عنه إعراض ومنه قول بشر بن أبـي خازم : @ يَؤُمُّ بِها الـحُدَاةُ مِياهَ نَـخْـلٍ وَفِـيها عَنْ أبـانَـينِ ازْوِرَارُ @@ يعنـي : إعراضاً وصدًّا . وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة ومكة والبصرة : « تَزَّاوَرُ » بتشديد الزاي ، بـمعنى : تتزاور بتاءين ، ثم أدغم إحدى التاءين فـي الزاي ، كما قـيـل : تظَّاهرون علـيهم . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفـيـين : { تَزَاوَرُ } بتـخفـيف التاء والزاي ، كأنه عنى به تفـاعل من الزور . ورُوي عن بعضهم : « تَزْوَرّ » بتـخفـيف التاء وتسكين الزاي وتشديد الراء مثل تـحمُّر ، وبعضهم : « تَزْوَارّ » مثل تـحمارّ . والصواب من القول فـي قراءة ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان ، أعنـي { تَزَاوَرُ } بتـخفـيف الزاي ، و { تَزَّاوَرُ } بتشديدها معروفتان ، مستفـيضة القراءة بكلّ واحدة منهما فـي قرّاء الأمصار ، متقاربتا الـمعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب . وأما القراءتان الأخريان فإنهما قراءتان لا أرى القراءة بهما ، وإن كان لهما فـي العربـية وجه مفهوم ، لشذوذهما عما علـيه قرأة الأمصار . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله { تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا مـحمد بن أبـي الوضاح ، عن سالـم الأفطس ، عن سعيد بن جبـير ، قال : { وَتَرى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } قال : تـميـل . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس { تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } يقول : تـميـل عنهم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَتَرَى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ وإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشّمالِ } يقول : تـميـل عن كهفهم يـميناً وشمالاً . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَتَرى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } يقول : تـميـل ذات الـيـمين ، تدعهم ذات الـيـمين . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } قال : تـميـل عن كهفهم ذات الـيـمين . حُدثت عن يزيد بن هارون ، عن سفـيان بن حسين ، عن يَعْلَـى بن مسلـم ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لو أن الشمس تطلع علـيهم لأحرقتهم ، ولو أنهم لا يقلَّبون لأكلتهم الأرض ، قال : وذلك قوله : { وَتَرى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرْ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشَّمالِ } . حدثنـي مـحمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا موسى بن إسماعيـل ، قال : ثنا مـحمد بن مسلـم بن أبـي الوضاح ، عن سالـم الأفطس ، عن سعيد بن جبـير ، قال : { تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ } تـميـل . وقوله : { وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشّمالِ } يقول تعالـى ذكره : وإذا غربت الشمس تتركهم من ذات شمالهم . وإنـما معنى الكلام : وترى الشمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم ، فتطلع علـيه من ذات الـيـمين ، لئلا تصيب الفتـية ، لأنها لو طلعت علـيهم قبـالهم لأحرقتهم وثـيابهم ، أو أشحبتهم . وإذا غربت تتركهم بذات الشمال ، فلا تصيبهم يقال منه : قرضت موضع كذا : إذا قطعته فجاوزته . وكذلك كان يقول بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة . وأما الكوفـيون فإنهم يزعمون أنه الـمـحاذاة ، وذكروا أنهم سمعوا من العرب قرضته قُبُلا ودُبُرا ، وحذوته ذات الـيـمين والشمال ، وقُبلاً ودبراً : أي كنت بحذائه قالوا : والقرض والـحذو بـمعنى واحد . وأصل القرض : القطع ، يقال منه : قرضت الثوب : إذا قطعته ومنه قـيـل للـمقراض : مقراض ، لأنه يقطع ومنه قرض الفأر الثوب ومنه قول ذي الرُّمَّة : @ إلـى ظُعْنٍ يَقْرِضْنَ أجْوَازَ مُشْرِفٍ شِمالاً وعَنْ أيْـمانِهنَّ الفَوَارِسُ @@ يعنـي بقوله : يَقْرِضْن : يقطعن . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنـي أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشّمالِ } يقول : تَذَرُهم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا مـحمد بن أبـي الوضاح ، عن سالـم الأفطس ، عن سعيد بن جبـير ، قال { وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ } تتركهم ذات الشمال . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ : { تَقْرِضُهُمْ } قال : تتركهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمالِ } يقول : تدعهم ذات الشمال . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعْمر ، عن قتادة ، قوله : { تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشّمالِ } قال : تَدَعُهم ذات الشمال . حدثنا ابن سنان القَزّاز ، قال : ثنا موسى بن إسماعيـل ، قال : أخبرنا مـحمد بن مسلـم بن أبـي الوضَّاح عن سالـم ، عن سعيد بن جبـير { وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ } قال : تتركهم . وقوله : { وَهُمْ فِـي فَجْوَةٍ مِنْهُ } يقول : والفتـية الذين أووا إلـيه فـي متسع منه يُجْمع : فَجَوات ، وفِجَاء مـمدوداً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَهُمْ فِـي فَجْوَةٍ مِنْهُ } يقول : فـي فضاء من الكهف ، قال الله : { ذلكَ مِنْ آياتِ الله } . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا مـحمد بن أبـي الوضَّاح ، عن سالـم الأفطس ، عن سعيد بن جبـير { وَهُمْ فِـي فَجْوَةٍ مِنْهُ } قال : الـمكان الداخـل . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن منصور ، عن مـجاهد { وَهُمْ فِـي فَجْوَةٍ مِنْهُ } قال : الـمكان الذاهب . حدثنـي ابن سِنان ، قال : ثنا موسى بن إسماعيـل ، قال : ثنا مـحمد بن مسلـم أبو سعيد بن أبـي الوضَّاح ، عن سالـم الأفطس ، عن سعيد بن جبـير { فِـي فَجْوَةٍ مِنْهُ } قال : فـي مكان داخـل . وقوله : { ذلكَ مِنْ آياتِ اللّهِ } يقول عزّ ذكره : فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلاء الفتـية الذين قصصنا علـيكم أمرهم من تصيـيرناهم ، إذ أردنا أن نضرب علـى آذانهم بحيث تزاور الشمس عن مضاجعهم ذات الـيـمين إذا هي طلعت ، وتقرضهم ذات الشمال إذا هي غَرَبت ، مع كونهم فـي الـمتسع من الـمكان ، بحيث لاتُـحرْقهم الشمس فتُشحبهم ، ولا تُبْلـي علـى طول رقدتهم ثـيابهم ، فتعفَن علـى أجسادهم ، من حجج الله وأدلته علـى خـلقه ، والأدلة التـي يستدلّ بها أولو الألبـاب علـى عظيـم قدرته وسلطانه ، وأنه لا يُعجزه شيء أراده . وقوله { مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الـمُهْتَدِ } يقول عزّ وجلّ : من يوفِّقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلـى الـحقّ التـي جعلها أدلة علـيه ، فهو الـمهتدي . يقول : فهو الذي قد أصاب سبـيـل الـحقّ { وَمَنْ يُضْلِلْ } يقول : ومن أضله الله عن آياته وأدلته ، فلـم يوفقه للاستدلال بها علـى سبـيـل الرشاد { فَلَنْ تَـجِد لَهُ وَلِـيًّا مُرْشِداً } يقول : فلن تـجد له يا مـحمد خـلـيلاً وحلـيفـاً يرشده لإصابتها ، لأن التوفـيق والـخِذْلان بـيد الله ، يوفق من يشاء من عبـاده ، ويخذل من أراد يقول : فلا يَحْزنُك إدبـار من أدبر عنك من قومك وتكذيبهم إياك ، فإنـي لو شئت هديتهم فآمنوا ، وبـيدي الهداية والضلال .