Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 77-77)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فـانطلق موسى والعالـم { حَتَّـى إذَا أتَـيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعمَا أهْلَها } من الطعام فلـم يطعموهما واستضافـاهم { فَأبَوْا أن يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدَا فِـيها جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ } يقول : وجدا فـي القرية حائطا يريد أن يسقط ويقع يقال منه : انقضّت الدار : إذا انهدمت وسقطت ومنه انقضاض الكوكب ، وذلك سقوطه وزواله عن مكانه ومنه قول ذي الرُّمة : @ فـانْقَضَّ كالكَوْكَبِ الدُّرّي مُنْصَلِتا @@ وقد رُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأ ذلك : « يُرِيدُ أنْ يَنْقاضَّ » . وقد اختلف أهل العلـم بكلام العرب إذا قرىء ذلك كذلك فـي معناه ، فقال بعض أهل البصرة منهم : مـجاز ينقاضّ : أي ينقلع من أصله ، ويتصدّع ، بـمنزلة قولهم : قد انقاضت السنّ : أي انصدعت ، وتصدّعت من أصلها ، يقال : فراق كقبض السنّ : أي لا يجتـمع أهله . وقال بعض أهل الكوفة منهم : الانقـياض : الشقّ فـي طول الـحائط فـي طيّ البئر وفـي سنّ الرجل ، يقال : قد انقاضت سنة : إذا انشقَّت طولاً . وقـيـل : إن القرية التـي استطعم أهلها موسى وصاحبه ، فأبوا أن يضيفوهما : الآيـلة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـحسين بن مـحمد الذارع ، قال : ثنا عمران بن الـمعتـمر صاحب الكرابـيسي ، قال : ثنا حماد أبو صالـح ، عن مـحمد بن سيرين ، قال : انتابوا الأيـلة ، فإنه قلّ من يأتـيها فـيرجع منها خائبـا ، وهي الأرض التـي أبوا أن يضيفوهما ، وهي أبعد أرض الله من السماء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فـانْطَلَقا حتـى إذَا أتـيَا أهْلَ قَرْيَةٍ } ، وتلا إلـى قوله { لاتَّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْراً } شرّ القرى التـي لا تُضِيف الضيف ، ولا تعرف لابن السبـيـل حقه . واختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي معنى قول الله عزّ وجلّ { يَرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ } فقال بعض أهل البصرة : لـيس للـحائط إرادة ولا للـمَوَات ، ولكنه إذا كان فـي هذه الـحال من رثة فهو إرادته . وهذا كقول العرب فـي غيره : @ يُرِيدُ الرُّمْـحُ صَدْرَ أبـي بَرَاءٍ وَيَرْغَبُ عَنْ دِماء بَنِـي عُقَـيْـلِ @@ وقال آخر منهم : إنـما كلـم القوم بـما يعقلون ، قال : وذلك لـما دنا من الانقضاض ، جاز أن يقول : يريد أن ينقضّ ، قال : ومثله { تَكادُ السَّمَواتُ يَتَفَطَّرْن } وقولهم : إنـي لأكاد أطير من الفرح ، وأنت لـم تقرب من ذلك ، ولـم تهمّ به ، ولكن لعظيـم الأمر عندك . وقال بعض الكوفـيـين منهم : من كلام العرب أن يقولوا : الـجدار يريد أن يسقط قال : ومثله من قول العرب قول الشاعر : @ إنّ دهْراً يَـلُفُّ شَمِلـي بِجُمْلٍ لَزَمانٌ يَهُمُّ بـالإِحْسانِ @@ وقول الآخر : @ يَشْكُو إلـيَّ جَمَلِـي طُولَ السُّرَى صَبْراً جَمِيلاً فَكِلانا مُبْتَلَـى @@ قال : والـجمل لـم يشك ، إنـما تكلَّـم به علـى أنه لو تكلـم لقال ذلك قال : وكذلك قول عنترة : @ وَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنا بِلَبـانِهِ وشَكا إلـيَّ بعَبْرَةٍ وتَـحَمْـحُمِ @@ قال : ومنه قول الله عزّ وجلّ : { ولَـمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ } والغضب لا يسكت ، وإنـما يسكت صاحبه . وإنـما معناه : سكن . وقوله : { فَإذَا عَزَمَ الأَمْرُ } إنـما يعزم أهله . وقال آخر منهم : هذا من أفصح كلام العرب ، وقال : إما إرادة الـجدار : ميـله ، كما قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم « لا تَرَاءى نارَاهُما » وإنـما هو أن تكون ناران كلّ واحدة من صاحبتها بـموضع لو قام فـيه إنسان رأى الأخرى فـي القُرب قال : وهو كقول الله عزّ وجلّ فـي الأصنام : { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } قال : والعرب تقول : داري تنظر إلـى دار فلان ، تعنـي : قرب ما بـينهما واستشهد بقول ذي الرُّمَّة فـي وصفه حوضاً أو منزلاً دارساً : @ قَدْ كادَ أوْ قَدْ هَمَّ بـالبُـيُودِ @@ قال : فجعله يهمّ ، وإنـما معناه : أنه قد تغير للبلـى . والذي نقول به فـي ذلك أن الله عزّ ذكره بلطفه ، جعل الكلام بـين خـلقه رحمة منه بهم ، لـيبـين بعضهم لبعض عما فـي ضمائرهم . مـما لا تـحسُّه أبصارهم ، وقد عقلت العرب معنى القائل : @ فِـي مَهْمَةٍ قَلِقَتْ بِهِ هاماتُها قَلَقَ الفُؤُوسِ إذَا أرَدْنَ نُصُولا @@ وفهمت أن الفؤوس لا توصف به بما يوصف بنو آدم من ضمائر الصدور مع وصفها إياها بأنها تريد . وعلـمت ما يريد القائل بقوله : @ كمِثْلِ هَيْـلِ النَّقا طافَ الـمُشاةُ بِهِ يَنْهالُ حِيناً ويَنْهاهُ الثَّرَى حِينا @@ وإنـما لـم يرد أن الثرى نطق ، ولكنه أراد به أنه تلبَّد بـالندى ، فمنعه من الانهيال ، فكان منعه إياه من ذلك كالنهي من ذوي الـمنطق فلا ينهال . وكذلك قوله : { جِدَاراً يُرِيدُ أنْ يَنْقُضَّ } قد علـمت أن معناه : قد قارب من أن يقع أو يسقط ، وإنـما خاطب جلّ ثناؤه بـالقرآن من أنزل الوحي بلسانه ، وقد عقلوا ما عنى به وإن استعجم عن فهمه ذوو البلادة والعمى ، وضلّ فـيه ذوو الـجهالة والغبـا . وقوله : { فَأقامَهُ } ذكر عن ابن عبـاس أنه قال : هدمه ثم قعد يبنـيه . حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : ثنـي ابن إسحاق ، عن الـحسن بن عُمارة ، عن الـحكم بن عتـيبة ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس . وقال آخرون فـي ذلك ما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبـير { فوجدا فـيها جِدَاراً يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ } قال : رفع الـجدار بـيده فـاستقام . والصواب من القول فـي ذلك أن يُقال : إن الله عزّ ذكره أخبر أن صاحب موسى وموسى وجدا جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه صاحب موسى ، بـمعنى : عَدَل مَيَـله حتـى عاد مستوياً . وجائز أن يكون كان ذلك بإصلاح بعد هدم . وجائز أن يكون كان برفع منه له بـيده ، فـاستوى بقدرة الله ، وزال عنه مَيْـلُه بلطفه ، ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر للعذر قاطع بأيّ ذلك كان من أيّ . وقوله : { قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْراً } يقول : قال موسى لصاحبه : لو شئت لـم تقم لهؤلاء القوم جدارهم حتـى يعطوك علـى إقامتك أجراً ، فقال بعضهم : إنـما عَنَى موسى بـالأجر الذي قال له { لَوْ شِئْتَ لاتَّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْراً } القِرى : أي حتـى يَقْرُونا ، فإنهم قد أبوا أن يضِّيفونا . وقال آخرون : بل عنى بذلك العِوَض والـجزاء علـى إقامته الـحائط الـمائل . واختلف القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة { لَوْ شِئْتَ لاتَّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْراً } علـى التوجيه منهم له إلـى أنه لافتعلت من الأخذ . وقرأ ذلك بعض أهل البصرة « لَوْ شَئِتَ لَتَـخِذْتَ » بتـخفـيف التاء وكسر الـخاء ، وأصله : لافتعلت ، غير أنهم جعلوا التاء كأنها من أصل الكلـمة ، ولأن الكلام عندهم فـي فعل ويفعل من ذلك : تـخِذ فلان كذا يَتْـخَذُهُ تَـخْذا ، وهي لغة فـيـما ذكر لهُذَيـل . وقال بعض الشعراء : @ وَقَدْ تَـخِذَتْ رِجْلِـي لَدَى جَنْبِ غَرْزِها نَسِيفـاً كأُفُحُوصِ القَطاةِ الـمُطَرِّقِ @@ والصواب من القول فـي ذلك عندي : أنهما لغتان معروفتان من لغات العرب بـمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أنـي أختار قراءته بتشديد التاء علـى لافتعلت ، لأنها أفصح اللغتـين وأشهرهما ، وأكثرهما علـى ألسن العرب .