Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 26-26)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : فكلـي من الرطب الذي يتساقط علـيك ، واشربـي من ماء السريّ الذي جعله ربك تـحتك ، لا تـخشي جوعاً ولا عطشاً { وَقَرّي عَيْناً } يقول : وطيبـي نفسا وَافرحي بولادتك إياي ولا تـحزنـي . ونصبت العين لأنها هي الـموصوفة بـالقرار . وإنـما معنى الكلام : ولتقرِر عينك بولدك ، ثم حوّل الفعل عن العين إلـى الـمرأة صاحبة العين ، فنصبت العين إذ كان الفعل لها فـي الأصل علـى التفسير ، نظير ما فعل بقوله : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً } وإنـما هو : فإن طابت أنفسهن لكم . وقوله : { وَضَاقَ بِهِم ذَرْعاً } ومنه قوله : « يُساقِطْ عَلَـيْكِ رُطُبـاً جَنِـيًّا » إنـما هو يساقط علـيك رطب الـجذع ، فحوّل الفعل إلـى الـجِذع ، فـي قراءة من قرأه بـالـياء . وفـي قراءة من قرأه : { تُساقِطْ } بـالتاء ، معناه : يساقط علـيك رطب النـخـلة ، ثم حوّل الفعل إلـى النـخـلة . وقد اختلفت القراء فـي قراءة قوله : { وقَرّي } فأما أهل الـمدينة فقرأوه : { وَقَرِّي } بفتـح القاف علـى لغة من قال : قَرِرت بـالـمكان أَقَرّ به ، وقَرِرت عينا ، أَقَرّ به قُروراً ، وهي لغة قريش فـيـما ذكر لـي وعلـيها القراءة . وأما أهل نـجد فإنها تقول قررت به عينا أقربه قراراً وقررت بـالـمكان أقر به ، فـالقراءة علـى لغتهم : « وَقرِي عَيْناً » بكسر القاف ، والقراءة عندنا علـى لغة قريش بفتـح القاف . وقوله : { فإمَّا تَرِيَنَّ مِنَ البَشَرِ أحَداً } يقول : فإن رأيت من بنـي آدم أحدا يكلـمك أو يسائلك عن شيء من أمرك وأمر ولدك وسبب ولادتكه { فَقُولـي إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } يقول : فقولـي : إنـي أوجبت علـى نفسي لله صمتاً ألاّ أكلـم أحداً من بنـي آدم الـيوم { فَلَنْ أُكَلِّـمَ الـيَوْمَ إنْسِيًّا } . وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الصوم ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا معتـمر بن سلـيـمان ، عن أبـيه ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول فـي هذه الآية { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } صمتاً . حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ، قال : ثنا حجاج ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرنـي الـمغيرة بن عثمان ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } قال : صمتاً . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } قال : يعنـي بـالصوم : الصمت . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن علـية ، عن سلـيـمان التـيـميّ ، قال : سمعت أنسا قرأ : « إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً وَصَمْتاً » . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } أما قوله : { صَوْماً } فإنها صامت من الطعام والشراب والكلام . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } قال : كان من بنـي إسرائيـل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام ، إلا مِن ذكر الله ، فقال لها ذلك ، فقالت : إنـي أصوم من الكلام كما أصوم من الطعام ، إلا من ذكر الله فلـما كلـموها أشارت إلـيه ، فقالوا : { كَيْفَ نُكَلِّـمُ مَنْ كانَ فِـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا } فأجابهم فقال : { إنّـي عَبْدُ اللَّهِ آتانِـيَ الكِتابَ } حتـى بلغ { ذلكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَـمْ قَوْلَ الـحَقِّ الَّذِي فِـيهِ يَـمترُونَ } واختلفوا فـي السبب الذي من أجله أمرها بـالصوم عن كلام البشر ، فقال بعضهم : أمرها بذلك لأنه لـم يكن لها حجة عند الناس ظاهرة ، وذلك أنها جاءت وهي أيِّـم بولد بـالكفّ عن الكلام لـيكفـيها فأمرت الكلام ولدها … ذكر من قال ذلك : حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانـي ، قال : ثنا مصعب بن الـمقدام ، قال : ثنا إسرائيـل ، قال : ثنا أبو إسحاق ، عن حارثة ، قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلـم أحدهما ولـم يسلـم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ فقال أصحابه : حلف أن لا يكلـم الناس الـيوم ، فقال عبد الله : كلـم الناس وسلـم علـيهم ، فإن تلك امرأة علـمت أن أحداً لا يصدّقها أنها حملت من غير زوج ، يعنـي بذلك مريـم علـيها السلام . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد لـما قال عيسى لـمريـم { لا تَـحْزَنِـي } قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ، لا ذات زوج ولا مـملوكة ، أيّ شيء عذري عند الناس { يا لَـيْتَنِـي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } فقال لها عيسى : أنا أكفـيك الكلام { فإمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أحَداً فقُولـي إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّـمَ الـيَوْمَ إنْسِيًّا } قال : هذا كله كلام عيسى لأمه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه { فإمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أحَداً فَقُولـي إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّـمَ الـيَوْمَ إنْسِيًّا } فإنـي سأكفـيك الكلام . وقال آخرون : إنـما كان ذلك آية لـمريـم وابنها . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } قال فـي بعض الـحروف : صمتاً ، وذلك أنك لا تلقـي امرأة جاهلة تقول : نذرت كما نذرت مريـم ، ألا تكلـم يوما إلـى اللـيـل ، وإنـما جعل الله تلك آية لـمريـم ولابنها ، ولا يحلّ لأحد أن ينذر صمت يوم إلـى اللـيـل . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، فقرأ : { إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً } وكانت تقرأ فـي الـحرف الأوّل : صمتاً ، وإنـما كانت آية بعثها الله لـمريـم وابنها . وقال آخرون : بل كانت صائمة فـي ذلك الـيوم ، والصائم فـي ذلك الزمان كان يصوم عن الطعام والشراب وكلام الناس ، فأذن لـمريـم فـي قدر هذا الكلام ذلك الـيوم وهي صائمة . ذكر من قال ذلك : حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { فإمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أحَداً } يكلـمك { فَقُولـي إنّـي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلـمَ الـيَوْمَ إنْسِيًّا } فكان من صام فـي ذلك الزمان لـم يتكلـم حتـى يـمسي ، فقـيـل لها : لا تزيدي علـى هذا .