Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 30-31)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فلـما قال قوم مريـم لها { كَيْفَ نُكَلِّـمُ مَنْ كانَ فِـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا } وظنوا أن ذلك منها استهزاء بهم ، قال عيسى لها متكلـماً عن أمه : { إنّـي عَبْدُ اللَّهِ آتانِـيَ الكِتاب } . وكانوا حين أشارت لهم إلـى عيسى فـيـما ذُكر عنهم غضبوا ، كما : حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : لـما أشارت لهم إلـى عيسى غضبوا ، وقالوا : لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلـم هذا الصبـيّ أشدّ علـينا من زناها { قالُوا كَيْفَ نُكَلِّـمُ مَنْ كانَ فِـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا } حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه { قالُوا كَيْفَ نُكَلِّـمُ مَنْ كانَ فِـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا } فأجابهم عيسى عنها فقال لهم { إنّـي عَبْدُ اللَّهِ آتانِـيَ الكِتابَ وَجَعَلَنِـي نَبِـيًّا … } الآية . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { قالُوا كَيْفَ نُكَلِّـمُ مَنْ كانَ فِـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا } قال لهم : { إنّـي عَبْدُ اللَّهِ آتانِـيَ الكِتابَ وَجَعَلَنِـي نَبِـيًّا } فقرأ حتـى بلغ { ولَـمْ يَجْعَلْنِـي جَبَّـاراً شَقِـيًّا } فقالوا : إن هذا لأمر عظيـم . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : { كَيْفَ نُكَلِّـمُ مَنْ كانَ فِـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا قال إنّـي عَبْدُ اللَّهِ } لـم يتكلـم عيسى إلا عند ذلك حين { قالُوا كَيْفَ نُكَلِّـمُ مَنْ كانَ فِـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا } وقوله : { آتانِـيَ الكِتابَ } يقول القائل : أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخـلق فـي بطن أمه فإن معنى ذلك بخلاف ما يظنّ ، وإنـما معناه : وقضى يوم قضى أمور خـلقه إلـيّ أن يؤتـينـي الكتاب ، كما : حدثنـي بشر بن آدم ، قال : ثنا الضحاك ، يعنـي ابن مخـلد ، عن سفـيان ، عن سماك ، عن عكرمة { قالَ آتانِـيَ الكِتابَ } قال : قضى أن يؤتـينـي الكتاب فـيـما مضى . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا سفـيان ، عن سماك ، عن عكرمة ، فـي قوله { إنّـي عَبْدُ اللَّهِ آتانِـيَ الكِتابَ } قال : القضاء . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق ، عن إسرائيـل ، عن سماك ، عن عكرمة ، فـي قول الله إنّـي عَبْدُ اللَّهِ آتانِـيَ الكِتابَ قال : قضى أن يؤتـينـي الكتاب . وقوله : { وَجَعَلَنِـي نَبِـيًّا } وقد بـيَّنت معنى النبـيّ واختلاف الـمختلفـين فـيه ، والصحيح من القول فـيه عندنا بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته . وكان مـجاهد يقول فـي معنى النبـيّ وحده ما : حدثنا به مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قال : النبـيّ وحده الذي يكلـم وينزل علـيه الوحي ولا يرسل . وقوله { وَجَعَلَنِـي مُبـارَكاً } اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وجعلنـي نفـاعاً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي سلـيـمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلـحي ، قال : ثنا العلاء ، عن عائشة امرأة لـيث ، عن لـيث ، عن مـجاهد { وَجَعَلَنِـي مُبـارَكاً } قال : نفـاعاً . وقال آخرون : كانت بركته الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر . ذكر من قال ذلك : حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار ، قال : ثنا مـحمد بن يزيد بن خنـيس الـمخزومي ، قال : سمعت وُهيب بن ابن الورد مولـى بنـي مخزوم ، قال : لقـي عالـم عالـما هو فوقه فـي العلـم ، فقال له : يرحمك الله ، ما الذي أعلن من علـمي ، قال : الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر ، فإنه دين الله الذي بعث به أنبـياءه إلـى عبـاده ، وقد اجتـمع الفقهاء علـى قول الله { وَجَعَلَنِـي مُبـارَكاً أيْنَـما كُنْتُ } وقـيـل : ما بركته ؟ قال : الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر أينـما كان . وقال آخرون : معنى ذلك : جعلنـي معلِّـم الـخير . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا سفـيان فـي قوله { وَجَعَلَنِـي مُبـارَكاً أيْنَـما كُنْتُ } قال : معلـما للـخير . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن لـيث ، عن مـجاهد ، قوله : { وَجَعَلَنِـي مُبـارَكاً أيْنَـما كُنْتُ } قال : معلـما للـخير حيثما كنت . وقوله : { وأوْصَانِـي بـالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ } يقول : وقضى أن يوصينـي بـالصلاة والزكاة ، يعنـي بالـمـحافظة علـى حدود الصلاة وإقامتها علـى ما فرضها علـيّ . وفـي الزكاة معنـيان : أحدهما : زكاة الأموال أن يؤدّيها . والآخر : تطهير الـجسد من دنس الذنوب فـيكون معناه : وأوصانـي بترك الذنوب واجتناب الـمعاصي . وقوله : { ما دُمْتُ حَيًّا } يقول : ما كنت حيا فـي الدنـيا موجودا ، وهذا يبـين عن أن معنى الزكاة فـي هذا الـموضع : تطهير البدن من الذنوب ، لأن الذي يوصف به عيسى صلوات الله وسلامه علـيه أنه كان لا يدّخر شيئا لغد ، فتـجب علـيه زكاة الـمال ، إلا أن تكون الزكاة التـي كانت فرضت علـيه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته ، فـيكون ذلك وجهاً صحيحاً .