Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فحدث من بعد هؤلاء الذين ذكرت من الأنبـياء الذين أنعمت علـيهم ، ووصفت صفتهم فـي هذه السورة ، خـلْف سوء خـلفوهم فـي الأرض أضاعو الصلاة . ثم اختلْف أهل التأويـل فـي صفة إضاعتهم الصلاة ، فقال بعضهم : كانت إضاعتهموها تأخيرهم إياها عن مواقـيتها ، وتضيـيعهم أوقاتها . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ بن سعد الكندي ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن موسى بن سلـيـمان ، عن القاسم بن مخيـمرة ، فـي قوله : { فخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاةَ } قال : إنـما أضاعوا الـمواقـيت ، ولو كان تركا كان كفرا . حدثنا إسحاق بن زيد الـخطابـي ، قال : ثنا الفريابـي ، عن الأوزاعي ، عن القاسم بن مخيـمرة ، نـحوه . حدثنا عبد الكريـم بن أبـي عمير ، قال : ثنـي الولـيد بن مسلـم ، عن أبـي عمرو ، عن القاسم بن مخيـمرة ، قال : أضاعوا الـمواقـيت ، ولو تركوها لصاروا بتركها كفـاراً . حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الولـيد بن مسلـم ، عن الأوزاعي ، عن القاسم ، نـحوه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا عيسى ، عن الأوزاعي ، عن إبراهيـم بن يزيد ، أن عمر بن عبد العزيز بعث رجلاً إلـى مصر لأمر أعجله للـمسلـمين ، فخرج إلـى حرسه ، وقد كان تقدم إلـيهم أن لا يقوموا إذا رأوه ، قال : فأوسعوا له ، فجلس بـينهم فقال : أيكم يعرف الرجل الذي بعثناه إلـى مصر ؟ فقالوا : كلنا نعرفه ، قال : فلـيقم أحدثكم سناً ، فلـيدعه ، فأتاه الرسول فقال : لا تعجلنـي أشدّ علـيّ ثـيابـي ، فأتاه فقال : إن الـيوم الـجمعة ، فلا تبرحن حتـى تصلـي ، وإنا بعثناك فـي أمر أعجله للـمسلـمين ، فلا يعجلنك ما بعثناك له أن تؤخر الصلاة عن ميقاتها ، فإنك مصلـيها لا مـحالة ، ثم قرأ : { فخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } ثم قال : لـم يكن إضاعتهم تركها ، ولكن أضاعوا الوقت . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن الـمسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، والـحسن بن مسعود ، عن ابن مسعود ، أنه قـيـل له : إن الله يكثر ذكر الصلاة فـي القرآن { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهمْ سَاهُونَ } و { عَلـى صَلاَتِهمْ دَائِمُونَ } و { عَلـى صَلاَتِهمْ يُحَافِظُون } فقال ابن مسعود رضي الله عنه : علـى مواقـيتها ، قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا علـى الترك ، قال : ذاك الكفر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا عمر أبو حفص الأبـار ، عن منصور بن الـمعتـمر ، قال : قال مسروق : لا يحافظ أحد علـى الصلوات الـخمس ، فـيكتب من الغافلـين ، وفـي إفراطهنّ الهلكة ، وإفراطهنّ : إضاعتهنّ عن وقتهنّ . وقال آخرون : بل كانت إضاعتهموها : تركها . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا أبو صخر ، عن القرظي ، أنه قال فـي هذه الآية { فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ } يقول : تركوا الصلاة . قال أبو جعفر : وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندي بتأويـل الآية ، قول من قال : أضعتـموها تركهم إياها لدلالة قول الله تعالـى ذكره بعده علـى أن ذلك كذلك ، وذلك قوله جلّ ثناؤه : { إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صَالِـحاً } فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنـين لـم يستثن منهم من آمن ، وهم مؤمنون ولكنهم كانوا كفـاراً لا يصلون لله ، ولا يؤدّون له فريضة فسقة قد آثروا شهوات أنفسهم علـى طاعة الله ، وقد قـيـل : إن الذين وصفهم الله بهذه الصفة قوم من هذه الأمة يكونون فـي آخر الزمان . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى . وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن . قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { فخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاة واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : عند قـيام الساعة ، وذهاب صالـحي أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم علـى بعض فـي الأزقة . قال مـحمد بن عمرو : زنا . وقال الـحارث : زناة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد مثله ، وقال : زنا ، كما قال ابن عمرو . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو تـميـلة ، عن أبـي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ومـجاهد وعطاء بن أبـي ربـاح { فخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ … } الآية ، قال : هم أمة مـحمد . وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الأشيب ، قال : ثنا شريك ، عن أبـي تـميـم بن مهاجر فـي قول الله : { فخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاة } قال : هم فـي هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والـحمر فـي الطرق ، لا يخافون الله فـي السماء ، ولا يستـحيون الناس فـي الأرض . وأما قوله : { فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } فإنه يعنـي أن هؤلاء الـخـلْف الذين خـلفوا بعد أولئك الذين أنعم الله علـيهم من النبـيـين سيدخـلون غياً ، وهو اسم واد من أودية جهنـم ، أو اسم بئر من آبـارها ، كما : حدثنـي عبـاس بن أبـي طالب ، قال : ثنا مـحمد بن زياد بن رزان ، قال : ثنا شرقـي بن قطامي ، عن لقمان بن عامر الـخزاعي ، قال : جئت أبـا أمامة صديّ بن عجلان البـاهلـي ، فقلت : حدِّثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا بطعام ، ثم قال : قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : " لَوْ أنَّ صخْرَةً زِنَةَ عَشْرِ أوَاقٍ قُذِفَ بِها منْ شَفـيرٍ جَهَنَّـمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَها خَمْسينَ خَرِيفـاً ، ثُمَّ تَنْتَهي إلـى غَيَ وأثامٍ " ، قال : قُلْتُ وَما غيّ وَما أثامٌ ؟ قالَ : " بْئرَانِ فـي أسْفَلٍ جَهَنَّـمَ يَسِيـلُ فِـيهِما صَدِيدُ أهْلِ النَّارِ ، وَهُما اللَّتانِ ذَكَرَ اللَّهُ فِـي كِتابِهِ أضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتٍ فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّاً ، وقوله فـي الفُرقان : { وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَـلْقَ أثاماً } " حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عمرو بن عاصم ، قال : ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان ، عن أبـيه ، عن قتادة ، عن أبـي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو { فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : واديا فـي جهنـم . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي عبـيدة ، عن عبد الله { فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : واديا فـي النار . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي عبـيدة ، عن عبد الله أنه قال فـي هذه الآية { فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : نهر فـي جهنـم خبـيث الطعم بعيد القعر . حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي عبـيدة ، عن أبـيه ، فـي قوله : { فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : الغيّ : نهر جهنـم فـي النار ، يعذّب فـيه الذين اتبعوا الشهوات . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي عبـيدة ، عن أبـيه ، فـي قوله { فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : الغيّ : نهر جهنـم فـي النار ، يعذّب فـيه الذين اتبعوا الشهوات . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي عبـيدة ، عن عبد الله { أضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : نهر فـي النار يقذف فـيه الذين اتبعوا الشهوات . وقال آخرون : بل عنى بـالغيٌ فـي هذا الـموضع : الـخسران . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } يقول : خسرانا . وقال آخرون : بل عنى به الشرّ . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيًّا } قال : الغيّ : الشرّ ومنه قول الشاعر : @ فمَنْ يَـلْقَ خَيْراً يحْمَدِ الناسُ أمْرَهُ وَمَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ علـى الغَيّ لائما @@ قال أبو جعفر : وكلّ هذه الأقوال متقاربـات الـمعانـي ، وذلك أن من ورد البئرين اللتـين ذكرهما النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، والوادي الذي ذكره ابن مسعود فـي جهنـم ، فدخـل ذلك ، فقد لاقـى خسراناً وشرّاً ، حسبه به شرّاً .