Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 77-78)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { أفَرأيْتَ } يا مـحمد { الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا } حججنا فلـم يصدّق بها ، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر { وَقالَ } وهو بـالله كافر وبرسوله { لأُوتَـينَّ } فـي الآخرة { مالاً وَوَلَداً } . وذُكر أن هذه الآيات أنزلت فـي العاص بن وائل السهمي أبـي عمرو بن العاص . ذكر الرواية بذلك : حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلـم ، عن مسروق ، عن خبـاب ، قال : كنت رجلاً قَـيْنا ، وكان لـي علـى العاص بن وائل دين ، فأتـيته أتقاضاه ، فقال : والله لا أقضيك حتـى تكفر بـمـحمد ، فقلت : والله لا أكفر بـمـحمد حتـى تـموت ثم تبعث ، قال : فقال : فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول ، جئتنـي ولـي مال وولد ، قال : فأنزل الله تعالـى : { أفَرأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَـينَّ مالاً وَوَلَدا أطَّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَّـخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً … } إلـى قوله : { ويَأْتـينا فَرْداً } حدثني به أبو السائب ، وقرأ فـي الـحديث : وولداً . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاصَ بن وائل السَّهْمِيّ بدين ، فأتوه يتقاضونه ، فقال : ألستـم تزعمون أن فـي الـجنة فضة وذهبـا وحريرا ، ومن كلّ الثمرات ؟ قالوا : بلـى ، قال : فإن موعدكم الآخرة ، فوالله لأوتـينّ مالاً وولداً ، ولأوتـينَّ مثل كتابكم الذي جئتـم به ، فضرب الله مثله فـي القرآن ، فقال : { أفَرأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لأُوتَـينَّ مالاً … } إلـى قوله { ويَأْتِـينا فَرْداً } حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { لأُوتَـينَّ مالاً وَوَلَداً } قال : العاصُ بن وائل يقوله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أفَرأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لأُوتَـينَّ مالاً وَوَلَداً } فذُكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتوا رجلاً من الـمشركين يتقاضونه دينا ، فقال : ألـيس يزعم صاحبكم أن فـي الـجنة حريراً وذهبـاً ؟ قالوا : بلـى ، قال فميعادكم الـجنة ، فوالله لا أومن بكتابكم الذي جئتـم به ، استهزاء بكتاب الله ، ولأُوتـينّ مالاً وولداً . يقول الله : { أطَّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَّـخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً } ؟ حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن الأعمش ، عن أبـي الضحى ، عن مسروق ، قال : قال خَبَّـاب بن الأَرَتّ : كنت قَـيْنا بـمكة ، فكنت أعمل للعاص بن وائل ، فـاجتـمعت لـي علـيه دراهم ، فجئت لأتقاضاه ، فقال لـي : لا أقضيك حتـى تكفر بـمـحمد ، قال : قلت : لا أكفر بـمـحمد حتـى تـموت ثم تبعث ، قال : فإذا بُعثت كان لـي مال وولد ، قال : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبـارك وتعالـى : { أفَرأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لأُوتَـينَّ مالاً وَوَلَداً . … } إلـى { وَيأْتِـيَنا فَرْداً } واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله { وَوَلداً } فقرأته عامَّة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : { وَوَلَداً } بفتـح الواو من الولد فـي كلّ القرآن ، غير أن أبـا عمرو بن العلاء خَصّ التـي فـي سورة نوح بـالضمّ ، فقرأها : " مالُهُ وَوُلْدُه " . وأما عامَّة قرّاء الكوفة غير عاصم ، فإنهم قرأوا من هذه السورة من قوله { مالاً وَوَلَداً } إلـى آخر السورة ، واللتـين فـي الزخرف ، والتـي فـي نوح ، بـالضمّ وسكون اللام . وقد اختلف أهل العربـية فـي معنى ذلك إذا ضمت واوه ، فقال بعضهم : ضمها وفتـحها واحد ، وإنـما هما لغتان ، مثل قولهم العُدْم والعَدَم ، والـحُزْن والـحَزَن . واستشهدوا لقـيـلهم ذلك بقول الشاعر : @ فَلَـيْتَ فُلاناً كانَ فـي بَطْنِ أُمِّهِ وَلَـيْتَ فُلاناً كانَ وُلْدَ حِمارِ @@ ويقول الـحارث بن حِلِّزة : @ وَلَقَدْ رأيْتُ مَعاشِراً قَدْ ثَمَّرُوا مالاً وَوُلْدَاً @@ وقول رُؤْبة : @ الْـحَمْد لِلّهِ العَزِيزِ فَرْدَا لَـمْ يَتَّـخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا @@ وتقول العرب فـي مثلها : وُلْدُكِ مِن دَمَّى عَقِبَـيْكِ ، قال : وهذا كله واحد ، بـمعنى الولد . وقد ذُكر لـي أن قـيساً تـجعل الوُلْد جمعاً ، والوَلد واحداً . ولعلّ الذين قرأوا ذلك بـالضمّ فـيـما اختاروا فـيه الضمّ ، إنـما قرأوه كذلك لـيفرقوا بـين الـجمع والواحد . قال أبو جعفر : والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـي ذلك عندي أن الفتـح فـي الواو من الوَلد والضمّ فـيها بـمعنى واحد ، وهما لغتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، غير أن الفتـح أشهر اللغتـين فـيها . فـالقراءة به أعجبُ إلـيّ لذلك . وقوله : { أطَّلَعَ الغَيْبَ } يقول عزّ ذكره : أعلِـمَ هذا القائل هذا القول علـم الغيب ، فعلـم أن له فـي الآخرة مالاً وولداً بـاطلاعه علـى علـم ما غاب عنه { أمِ اتَّـخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً } يقول : أم آمن بـالله وعمل بـما أمر به ، وانتهى عما نهاه عنه ، فكان له بذلك عند الله عهداً أن يؤتـيه ما يقول من الـمال والولد ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أطَّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَـخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً } بعمل صالـح قدّمه .