Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 11-12)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فلـما أتـى النار موسى ، ناداه ربه : { يا مِوسَى إنّـي رَبُّك فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ } كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، قال : خرج موسى نـحوها ، يعنـي نـحو النار ، فإذا هي فـي شجر من العلـيق ، وبعض أهل الكتاب يقول فـي عوسجة فلـما دنا استأخرت عنه فلـما رأى استئخارها رجع عنها ، وأوجس فـي نفسه منها خيفة فلـما أراد الرجعة ، دنت منه ثم كلـم من الشجرة ، فلـما سمع الصوت استأنس ، وقال الله تبـارك وتعالـى : { يا مُوسَى اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنَّكَ بـالوَادِى الـمُقَدَّسِ طُوًى } فخلعها فألقاها . واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخـلع نعلـيه ، فقال بعضهم : أمره بذلك ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، فكره أن يطأ بهما الوادي الـمقدّس ، وأراد أن يـمسه من بركة الوادي . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن عاصم ، عن أبـي قلابة ، عن كعب ، أنه رآهم يخـلعون نعالهم في الصلاة فقال أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقرىء عليه { اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنَّكَ بـالوَادِى الـمُقَدَّسِ طُوى } فقال : كانت من جلد حمار ميت ، فأراد الله أن يـمسه القدس . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الـحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، فـي قوله { فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ } قال : كانتا من جلد حمار ميت . حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعد ، عن قَتادة ، قال : حدثنا ، أن نعلـيه كانتا من جلد حمار ، فخـلعهما ثم أتاه . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله { فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ } قال : كانتا من جلد حمار ، فقـيـل له اخـلعهما . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج . قال : وأخبرنـي عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفـيان ، عن معمر ، عن جابر الـجعفـي ، عن علـيّ بن أبـي طالب { فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ } قال : كانتا من جلد حمار ، فقـيـل له اخـلعهما . قال : وقال قَتادة مثل ذلك . وقال آخرون : كانتا من جلد بقر ، ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه ، لـيصل إلـيه بركتها . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الـحسن : كانتا ، يعنـي نعلـي موسى ، من بقر ، ولكن إنـما أراد الله أن يبـاشر بقدميه بركة الأرض ، وكان قد قدس مرّتـين . قال ابن جُرَيْج : وقـيـل لـمـجاهد : زعموا أن نعلـيه كانتا من جلد حمار أو ميتة ، قال : لا ، ولكنه أمر أن يبـاشر بقدميه بركة الأرض . حدثنـي يعقوب ، قال : قال أبو بشر ، يعنـي ابن علـية ، سمعت ابن أبـي نـجيح ، يقول فـي قوله : { فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنَّكَ بـالْوَادِى الـمُقَدَّسِ طُوًى } قال : يقول : أفض بقدميك إلـى بركة الوادي . قال أبو جعفر : وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال : أمره الله تعالـى ذكره بخـلع نعلـيه لـيبـاشر بقدميه بركة الوادي ، إذ كان وادياً مقدساً . وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويـلـين بـالصواب ، لأنه لا دلالة فـي ظاهر التنزيـل علـى أنه أمر بخـلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنـجاستهما ، ولا خبر بذلك عمن يـلزم بقوله الـحجة ، وإن فـي قوله { إنَّكَ بـالوَادِ الـمُقَدَّسِ } بعقبه دلـيلاً واضحاً ، علـى أنه إنـما أمره بخـلعهما لـما ذكرنا . ولو كان الـخبر الذي : حدثنا به بشر قال : ثنا خـلف بن خـلـيفة عن حميد بن عبد الله بن الـحارث ، عن ابن مسعود ، عن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " يَوْمَ كَلَّـمَ اللّهُ مُوسَى ، كانَتْ عَلَـيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وكساءُ صُوفٍ ، وسَرَاوِيـلُ صُوفٍ ، وَنَعْلانِ مِنْ جِلْدِ حِمارٍ غيرِ مُذَكَى " صحيحاً لـم نعده إلـى غيره ، ولكن فـي إسناده نظر يجب التثبت فـيه . واختلفت القراءة فـي قراءة قوله : { إنّـي أنا رَبُّكَ } فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والبصرة : « نُودِيَ يا مُوسَى أنّـي » بفتـح الألف من « أنـي » ، فأنّ علـى قراءتهم فـي موضع رفع بقوله : نودي ، فإن معناه كان عندهم : نودي هذا القول . وقرأه بعض عامة قرّاء الـمدينة والكوفة بـالكسر : { نُودِيَ يا موسى إنـي } علـى الابتداء ، وأن معنى ذلك قـيـل : يا موسى إنـي . قال أبو جعفر : والكسر أولـى القراءتـين عندنا بـالصواب ، وذلك أن النداء قد حال بـينه وبـين العمل فـي أن قوله « يا موسى » ، وحظ قوله « نودي » أن يعمل فـي أن لو كانت قبل قوله « يا موسى » ، وذلك أن يقال : نودي أن يا موسى إنـي أنا ربك ، ولا حظّ لها فـي « إن » التـي بعد موسى . وأما قوله : { إنَّكَ بـالوَادِى الـمُقَدَّسِ } فإنه يقول : إنك بـالوادي الـمطهر الـمبـارك ، كما : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { إنَّكَ بـالوَادِى الـمُقَدَّسِ } يقول : الـمبـارك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مـجاهد ، قوله { إنَّكَ بـالوَادِى الـمُقَدَّسِ طُوًى } قال : قُدِّس بُورك مرّتـين . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله : { إنَّكَ بـالوَادِى الـمُقَدَّسِ طُوًى } قال : بـالواديى الـمبـارك . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله { طُوًى } فقال بعضهم : معناه : إنك بـالوادي الـمقدس طويته ، فعلـى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه ، كأنه قال : طويت الوادي الـمقدس طوى . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : قوله : { إنَّكَ بـالوَادِى الـمُقَدَّسِ طُوًى } يعنـي الأرض الـمقدسة ، وذلك أنه مرّ بواديها لـيلاً فطواه ، يقال : طويت وادي كذا وكذا طوى من اللـيـل ، وارتفع إلـى أعلـى الوادي ، وذلك نبـيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : بل معنى ذلك : مرّتـين ، وقال : ناداه ربه مرّتـين فعلـى قول هؤلاء طوى مصدر أيضاً من غير لفظه ، وذلك أن معناه عندهم : نودي يا موسى مرّتـين نداءين . وكان بعضهم ينشد شاهداً لقوله طوى ، أنه بـمعنى مرّتـين ، قول عديّ بن زيد العبـادي : @ أعاذِلَ إنَّ اللَّوْمَ فِـي غَيْرِ كُنْهِهِ عَلـيَّ طُوىً مِنْ غَيِّكِ الـمُتَرَدّدِ @@ وروى ذلك آخرون : « علـيّ ثِنىً » : أي مرّة بعد أخرى ، وقالوا : طُوىً ونِثىً بـمعنى واحد . ذكر من قال ذلك : حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، { فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنَّكَ بـالوَادِ الـمُقَدَّسِ طُوًى } كنا نـحدّث أنه واد قدّس مرّتـين ، وأن اسمه طُوَى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه قدّس طوى مرّتـين . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قال الـحسن : كان قد قدّس مرّتـين . وقال آخرون : بل طُوى : اسم الوادي . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ بن داود ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { طُوَى } : اسم للوادي . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : طُوى : قال : اسم الوادي . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { بـالوَادِ الـمُقَدَّسِ طُوًى } قال : ذاك الوادي هو طوى ، حيث كان موسى ، وحيث كان إلـيه من الله ما كان . قال : وهو نـحو الطور . وقال آخرون : بل هو أمر من الله لـموسى أن يطأ الوادي بقدميه . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا صالـح بن إسحاق ، عن جعفر بن برقان ، عن عكرِمة ، عن ابن عبـاس ، فـي قول الله تبـارك وتعالـى : { اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنَّكَ بـالوَادِ الـمُقَدَّسِ طُوًى } قال : طأ الوادي . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا الـحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة ، فـي قوله : { طُوًى } قال : طأ الوادي . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبـي نـجيح ، عن سعيد بن جبـير ، فـي قول الله { طُوًى } قال : طأ الأرض حافـياً ، كما تدخـل الكعبة حافـياً ، يقول : من بركة الوادي . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد { طُوًى } طأ الأرض حافـياً . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأه بعض قرّاء الـمدينة : « طُوَى » بضم الطاء وترك التنوين ، كأنهم جعلوه اسم الأرض التـي بها الوادي ، كما قال الشاعر : @ نَصَرُوا نَبِـيَّهُمُ وَشَدُّوا أزْرَهُ بِحُنَـيْنَ حِينَ تَوَاكُلِ الأبْطالِ @@ فلـم يجرّ حنـين ، لأنه جعله اسماً للبلدة لا للوادي ولو كان جعله اسماً للوادي لأجراه كما قرأت القرّاء : { وَيَوْمَ حُنَـيْنٍ ، إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } ، وكما قال الآخر : @ ألَسْنا أكْرَمَ الثَّقَلَـيْنِ رَحْلاً وأعْظَمَهُمْ بِبَطْنِ حرَاءَ نارَاً @@ فلـم يجرّ حراء ، وهو جبل ، لأنه جعله اسماً للبلدة ، فكدلك « طُوَى » فـي قراءة من لـم يجره جعله اسماً للأرض . وقرأ ذلك عامَّة قرّاء أهل الكوفة : { طُوًى } بضم الطاء والتنوين وقارئو ذلك كذلك مختلفون فـي معناه علـى ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويـل فأما من أراد به الـمصدر من طويت ، فلا مؤنة فـي تنوينه وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي ، فإنه إنـما ينوّنه لأنه اسم ذكر لا مؤنث ، وأن لام الفعل منه ياء ، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله : { وَيَوْمَ حُنَـيْنٍ } إذ كان حنـين اسم واد ، والوادي مذكر . قال أبو جعفر : وأولـى القولـين عندي بـالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين ، لأنه إن يكن اسماً للوادي فحظه التنوين لـما ذكر قبل من العلة لـمن قال ذلك ، وإن كان مصدراً أو مفسراً ، فكذلك أيضاً حكمه التنوين ، وهو عندي اسم الوادي . وإذ كان ذلك كذلك ، فهو فـي موضع خفض ردّاً علـى الوادي .