Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 48-50)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لرسوله موسى وهارون : قولا لفرعون إنا قد أوحى إلـينا ربك أن عذابه الذي لا نفـاد له ، ولا انقطاع علـى من كذب بـما ندعوه إلـيه من توحيد الله وطاعته ، وإجابة رسله { وَتَوَّلـى } يقول : وأدبر مُعرضاً عما جئناه به من الـحقّ ، كما : حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أنَّ العَذَابَ عَلـى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّـى } كذّب بكتاب الله ، وتولـى عن طاعة الله . وقوله : { قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسَى } فـي هذا الكلام متروك ، ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر علـيه عنه ، وهو قوله : { فَأْتِـياهُ } فقالا له ما أمرهما به ربهما وأبلغاه رسالته ، فقال فرعون لهما { فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسَى } فخاطب موسى وحده بقوله : يا موسى ، وقد وجه الكلام قبل ذلك إلـى موسى وأخيه . وإنـما فعل ذلك كذلك ، لأن الـمـجاوبة إنـما تكون من الواحد وإن كان الـخطاب بـالـجماعة لا من الـجميع ، وذلك نظير قوله : { نَسِيا حُوَتُهما } وكان الذي يحمل الـحوت واحد ، وهو فتـى موسى ، يدلّ علـى ذلك قوله : { إنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إلاَّ الشَّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ } وقوله : { قالَ رَبُّنا الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يقول تعالـى ذكره : قال موسى له مـجيبـاً : ربنا الذي أعطى كلّ شيء خـلقه ، يعنـي : نظير خـلقه فـي الصورة والهيئة كالذكور من بنـي آدم ، أعطاهم نظير خـلقهم من الإناث أزواجاً ، وكالذكور من البهائم ، أعطاها نظير خـلقها ، وفـي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجاً ، فلـم يعط الإنسان خلاف خـلقه ، فـيزوّجه بـالإناث من البهائم ، ولا البهائم بـالإناث من الإنس ، ثم هداهم للـمأتـي الذي منه النسل والنـماء كيف يأتـيه ، ولسائر منافعه من الـمطاعم والـمشارب ، وغير ذلك . وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : بنـحو الذي قلنا فـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يقول : خـلق لكلّ شيء زوجة ، ثم هداه لـمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { قالَ رَبُّنا الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يقول : أعطى كلّ دابة خـلقها زوجاً ، ثم هدى للنكاح . وقال آخرون : معنى قوله { ثُمَّ هَدَى } أنه هداهم إلـى الأُلفة والاجتـماع والـمناكحة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يعنـي : هدى بعضهم إلـى بعض ، ألَّف بـين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوّج بعضهم بعضاً . وقال آخرون : معنى ذلك : أعطى كلّ شيء صورته ، وهي خـلقه الذي خـلقه به ، ثم هداه لـما يُصلـحه من الاحتـيال للغذاء والـمعاش . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، عن لـيث ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } قال : أعطى كلّ شيء صورته ثم هدى كلّ شيء إلـى معيشته . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } قال : سوّى خـلق كلّ دابة ، ثم هداها لـما يُصلـحها ، فعلَّـمها إياه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قوله : رَبُّنا الَّذِي { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } قال : سوّى خـلق كلّ دابة ثم هداها لـما يُصلـحها وعلَّـمها إياه ، ولـم يجعل الناس فـي خـلق البهائم ، ولا خـلق البهائم فـي خـلق الناس ، ولكن خـلق كلّ شيء فقدّره تقديراً . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن حميد عن مـجاهد { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } قال : هداه إلـى حيـلته ومعيشته . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أعطى كلّ شيء ما يُصلـحه ، ثم هداه له . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ } قال : أعطى كلّ شيء ما يُصلـحه . ثم هداه له . قال أبو جعفر : وإنـما اخترنا القول الذي اخترنا فـي تأويـل ذلك ، لأنه جلّ ثناؤه أخبر أنه أعطى كلّ شيء خـلقه ، ولا يعطي الـمعطي نفسه ، بل إنـما يعطي ما هو غيره ، لأن العطية تقتضي الـمعطي الـمُعطَى والعطية ، ولا تكون العطية هي الـمعْطَى ، وإذا لـم تكن هي هو ، وكانت غيره ، وكانت صورة كلّ خـلق بعض أجزائه ، كان معلوماً أنه إذا قـيـل : أعطى الإنسان صورته ، إنـما يعنـي أنه أعطى بعض الـمعانـي التـي به مع غيره دعي إنساناً ، فكأن قائله قال : أعطى كلّ خـلق نفسه ، ولـيس ذلك إذا وجه إلـيه الكلام بـالـمعروف من معانـي العطية ، وإن كان قد يحتـمله الكلام . فإذا كان ذلك كذلك ، فـالأصوب من معانـيه أن يكون موجهاً إلـى أن كلّ شيء أعطاه ربه مثل خـلقه ، فزوّجه به ، ثم هداه لـما بـيَّنا ، ثم ترك ذكر مثل ، وقـيـل { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَه } كما يقال : عبد الله مثل الأسد ، ثم يحذف مثل ، فـيقول : عبد الله الأسد .