Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 62-63)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : فتنازع السحرة أمرهم بـينهم . وكان تنازعهم أمرهم بـينهم فـيـما ذكر أن قال بعضهم لبعض ، ما : حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَتَنازَعُوا أمْرَهُمْ بَـيْنَهُمْ وأسَرُّوا النَّـجْوَى } قال السحرة بـينهم : إن كان هذا ساحراً فإنا سنغلبه ، وإن كان من السماء فله أمر . وقال آخرون بل هو أن بعضهم قال لبعض : ما هذا القول بقول ساحر . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : جمع كلّ ساحر حبـاله وعصيه ، وخرج موسى معه أخوه يتكىء علـى عصاه ، حتـى أتـى الـمـجمع ، وفرعون فـي مـجلسه ، معه أشراف أهل مـملكته ، قد استكَفَّ له الناس ، فقال موسى للسحرة حين جاءهم : { وَيْـلَكُمْ لا تَفْتَروا عَلـى اللّهِ كَذِبـاً فَـيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرَى } فترادّ السحرة بـينهم ، وقال بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر . وقوله : { وأسَرُّوا النَّـجْوَى } يقول تعالـى ذكره : وأسرّوا السحرة الـمناجاة بـينهم . ثم اختلف أهل العلـم السرار الذي أسروه ، فقال بعضهم : هو قول بعضهم لبعض : إن كان هذا ساحراً فإنا سنغلبه ، وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا . وقال آخرون فـي ذلك ما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : أشار بعضهم إلـى بعض بتناج : { إنْ هَذَانِ لسَاحِرَانِ يُرِيدَانه أنْ يخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما } . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { فَتَنازَعُوا أمْرَهُمْ بَـيْنَهُمْ وأسَرُّوا النَّـجْوَى } من دون موسى وهارون ، قالوا فـي نـجواهم : { إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرَهُما وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمْ الـمُثْلَـى } قالوا : إن هذان لساحران ، يَعْنُون بقولهم : إن هذان موسى وهارون ، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ، كما : حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدَانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما } موسى وهارون صلـى الله علـيهما . وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار : « إنَّ هَذَانِ » بتشديد إن وبـالألف فـي هذان ، وقالوا : قرأنا ذلك كذلك . وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول : « إن » خفـيفة فـي معنى ثقـيـلة ، وهي لغة لقوم يرفعون بها ، ويدخـلون اللام لـيفرقوا بـينها وبـين التـي تكون فـي معنى ما . وقال بعض نـحويـيِّ الكوفة : ذلك علـى وجهين : أحدهما علـى لغة بنـي الـحارث بن كعب ومن جاورهم ، يجعلون الاثنـين فـي رفعهما ونصبهما وخفضهما بـالألف . وقد أنشدنـي رجل من الأَسْد عن بعض بنـي الـحارث بن كعب : @ فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ مَساغاً لِنابـاهُ الشُّجاعُ لَصمَّـما @@ قال : وحكى عنه أيضاً : هذا خط يدا أخي أعرفه ، قال : وذلك وإن كان قلـيلاً أقـيس ، لأن العرب قالوا : مسلـمون ، فجعلوا الواو تابعة للضمة ، لأنها لا تعرب ، ثم قالوا : رأيت الـمسلـمين ، فجعلوا الـياء تابعة لكسرة الـميـم قالوا : فلـما رأوا الـياء من الاثنـين لا يـمكنهم كسر ما قبلها ، وثبت مفتوحاً ، تركوا الألف تتبعه ، فقالوا : رجلان فـي كلّ حال . قال : وقد اجتـمعت العرب علـى إثبـات الألف فـي كلام الرجلـين ، فـي الرفع والنصب والـخفض ، وهما اثنان ، إلا بنـي كنانة ، فإنهم يقولون : رأيت كِلَـىِ الرجلـين ، ومررت بكلـي الرجلـين ، وهي قبـيحة قلـيـلة مَضَوا علـى القـياس . قال : والوجه الآخر أن تقول : وجدت الألف من هذا دعامة ، ولـيست بلام « فَعلَـى » فلـما بنـيت زدت علـيها نونا ، ثم تركت الألف ثابتة علـى حالها لا تزول بكلّ حال ، كما قالت العرب الذي ، ثم زادوا نوناً تدلّ علـى الـجمع ، فقالوا : الذين فـي رفعهم ونصبهم وخفضهم ، كما تركوا هذان فـي رفعه ونصبه وخفضه . قال : وكان القـياس أن يقولوا : الَّذُون . وقال آخر منهم : ذلك من الـجزم الـمرسل ، ولو نصب لـخرج إلـى الانبساط . وحُدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى ، قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس ، إن هذين لساحران فـي اللفظ ، وكتب « هذان » كما يريدون الكتاب ، واللفظ صواب . قال : وزعم أبو الـخطاب أنه سمع قوماً من بنـي كنانة وغيرهم ، يرفعون الاثنـين فـي موضع الـجرّ والنصب . قال : وقال بشر بن هلال : إن بـمعنى الابتداء والإيجاب . ألا ترى أنها تعمل فـيـما يـلـيها ، ولا تعمل فـيـما بعد الذي بعدها ، فترفع الـخبر ولا تنصبه ، كما نصبت الاسم ، فكان مـجاز « إن هذان لساحران » ، مـجاز كلامين ، مَخْرجه : إنه : إي نَعَم ، ثم قلت : هذان ساحران . ألا ترى أنهم يرفعون الـمشترك كقول ضابىء : @ فَمَنْ يَكُ أمْسَى بـالـمَدِينَةِ رَحْلُهُ فإنّـي وَقَـيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ @@ وقوله : @ إنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّها وَرَواحَها تَرَكْتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ @@ قال : ويقول بعضهم : إن الله وملائكتُهُ يصلون علـى النبـيّ ، فـيرفعون علـى شركة الابتداء ، ولا يعملون فـيه إنَّ . قال : وقد سمعت الفصحاء من الـمُـحْرِمين يقولون : إن الـحمدَ والنعمةُ لك والـملكُ ، لا شريك لك . قال : وقرأها قوم علـى تـخفـيف نون إن وإسكانها . قال : ويجوز لأنهم قد أدخـلوا اللام فـي الابتداء وهي فصل ، قال : @ أُمُّ الـحُلَـيْسِ لعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ @@ قال : وزعم قوم أنه لا يجوز ، لأنه إذا خفف نوّن « إن » فلا بدّ له من أن يدخـل « إلا » فـيقول : إن هذا إلا ساحران . قال أبو جعفر : والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا : { إنّ } بتشديد نونها ، وهذان بـالألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه ، وأنه كذلك هو فـي خطّ الـمصحف . ووجهه إذا قرىء كذلك مشابهته الذين إذ زادوا علـى الذي النون ، وأقرّ فـي جميع الأحوال الإعراب علـى حالة واحدة ، فكذلك { إنَّ هَذَانِ } زيدت علـى هذا نون وأقرّ فـي جميع أحوال الإعراب علـى حال واحدة ، وهي لغة بلـحرث بن كعب ، وخثعم ، وزبـيد ، ومن ولـيهم من قبـائل الـيـمن . وقوله : { وَيَذْهَبـا بطَرِيقَتِكُمْ الـمُثْلَـى } يقول : ويغلبـا علـى ساداتكم وأشرافكم ، يقال : هو طريقة قومه ونظورة قومه ، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والـمنظور إلـيه ، يقال ذلك للواحد والـجمع ، وربـما جمعوا ، فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ومنه قول الله تبـارك وتعالـى : { كُنَّا طَرَائقَ قِدَاداً } وهؤلاء نظائر قومهم . وأما قوله : { الـمُثْلَـى } فإنها تأنـيث الأمثل ، يقال للـمؤنث ، خذ الـمثلـى منهما . وفـي الـمذكر : خذ الأمثل منهما ، ووحدت الـمثلـى ، وهي صفة ونعت للـجماعة ، كما قـيـل : { لهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى } ، وقد يحتـمل أن يكون الـمُثلـى أنثت لتأنـيث الطريقة . وبنـحو ما قلنا فـي معنى قوله : { بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثلَـى } يقول : أمثلكم وهم بنو إسرائيـل . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } قال : أولـي العقل والشرف والأنساب . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، فـي قوله { وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } قال : أولـي العقول والأشراف والأنساب . حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : { وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } وطريقتهم الـمُثلـى يومئذٍ كانت بنو إسرائيـل ، وكانوا أكثر القوم عدداً وأموالاً وأولاداً . قال عدوّ الله : إنـما يريدان أن يذهبـا بهم لأنفسهما . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله { بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } قال : ببنـي إسرائيـل . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَيَذْهَبَـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } يقول : يذهبـا بأشراف قومكم . وقال آخرون : معنى ذلك : ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتـم علـيه ، من قولهم : فلان حسن الطريقة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } قال : يذهبـا بـالذي أنتـم علـيه ، يغير ما أنتـم علـيه . وقرأ : { ذَرُونِـي أقْتُلْ مُوسَى وَلـيْدْعُ رَبَّهُ إنّـي أخافُ أنْ يُبَدّلَ دِينَكُمْ أوْ أنْ يُظْهِرَ فِـي الأرْضِ الفَسادَ } قال : هذا قوله : { وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } وقال : يقول طريقتكم الـيوم طريقة حسنة ، فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة . ورُوي عن علـي فـي معنى قوله : { وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } ما : حدثنا به القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم ، عن علـيّ بن أبـي طالب ، قال : يصرفـان وجوه الناس إلـيهما . قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد فـي قوله : { ويَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى } وإن كان قولاً له وجه يحتـمله الكلام ، فإن تأويـل أهل التأويـل خلافه ، فلا أستـجيز لذلك القول به .