Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 100-101)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي تعالـى ذكره بقولهم : { لَهُمْ } المشركين وآلهتهم ، والهاء ، والميم فـي قوله : { لَهُمْ } من ذكر « كلّ » التـي فـي قوله : { وُكلّ فِـيها خالِدُونَ } يقول تعالـى ذكره : لكلهم فـي جهنـم زفـير ، { وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ } يقول : وهم فـي النار لا يسمعون . وكان ابن مسعود يتأوّل فـي قوله : { وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ } ما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن الـمسعودي ، عن يونس بن خبـاب ، قال : قرأ ابن مسعود هذه الآية : { لَهُمْ فِـيها زَفِـير وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ } قال : إذا ألقـي فـي النار من يخـلد فـيها جعلوا فـي توابـيت من نار ، ثم جعلت تلك التوابـيت فـي توابـيت أخرى ، ثم جعلت التوابـيت في توابيت أخرى فـيها مسامير من نار ، فلا يرى أحد منهم أن فـي النار أحدا يعذّب غيره . ثم قرأ : { لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ } . وأما قوله : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ به ، فقال بعضهم : عُنـي به كل من سبقت له من الله السعادة من خـلقه أنه عن النار مُبعد . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي بشر ، عن يوسف بن سعد ولـيس بـابن ماهَك عن مـحمد بن حاطب ، قال : سمعت علـيًّا يخطب فقرأ هذه الآية : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } . قال : عثمان رضي الله عنه منهم . وقال آخرون : بل عُنـي : من عُبد مِن دون الله ، وهو لله طائع ولعبـادة من يَعبد كاره . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى . وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } قال : عيسى ، وعُزَير ، والـملائكة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . قال ابن جُرَيج : قوله : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } ثم استثنى فقال : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الـحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، والـحسن البصري قالا : قال فـي سورة الأنبـياء : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدونَ مِنْ دونِ اللَّهِ حَصَب جَهَنـمَ أنْتُـمْ لَهَا وَارِدونَ لَوْ كانَ هَؤلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلّ فِـيها خالِدُونَ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ } ثم استثنى فقال : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } فقد عُبدت الـملائكة من دون الله ، وعُزَيرٌ وعيسى من دون الله . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن يـمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد : { أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } قال : عيسى . حدثنـي إسماعيـل بن سيف ، قال : ثنا علـيّ بن مسهر ، قال : ثنا إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح فـي قوله : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى } قال : عيسى ، وأمه ، وعُزَير ، والـملائكة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما بلغنـي يوماً مع الولـيد بن الـمغيرة ، فجاء النضر بن الـحارث حتـى جلس معهم وفـي الـمـجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلـم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له النضر بن الـحارث ، وكلَّـمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى أفحمه ، ثم تلا علـيه وعلـيهم : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ أنْتُـمْ لَهاَ وَارِدُونَ لَوْ كان هَؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وكُلّ فِـيها خالِدُونَ … } إلـى قوله : { وَهُمْ فِـيها لا يَسْمَعُونَ } . ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عبد الله بن الزِّبَعْرَي بن قـيس بن عدي السهميّ حتـى جلس ، فقال الولـيد بن الـمغيرة لعبد الله بن الزّبَعْري : والله ما قام النضر بن الـحارث لابن عبد الـمطلب آنفـا وما قعد ، وقد زعم أنَّا وما نعبد من آلهتنا هذه حَصَب جهنـم فقال عبد الله بن الزِّبَعْري : أما والله لو وجدته لـخصَمته فسلوا مـحمدا : أكلّ من عبد من دون الله فـي جهنـم مع من عَبده ؟ فنـحن نعبد الـملائكة ، والـيهود تعبد عُزَيراً ، والنصارى تعبد الـمسيح عيسى ابن مريـم . فعجب الولـيد بن الـمغيرة ومن كان فـي الـمـجلس من قول عبد الله بن الزِّبَعْري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نَعَمْ كُلُّ مَنْ أحَبَّ أنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ ، إنَّـمَا يَعْبَدُونَ الشَّياطِينَ وَمَنْ أمَرَهُمْ بعِبـادَتهِ " فأنزل الله علـيه : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ … } إلـى : { خالِدُونَ } أي عيسى ابن مريـم ، وعُزير ، ومن عَبدوا من الأحبـار والرهبـان الذين مضَوا علـى طاعة الله ، فـاتـخذهم مَنْ بعدهم من أهل الضلالة أربـابـاً من دون الله . فأنزل الله فـيـما ذكروا أنهم يعبدون الـملائكة وأنها بنات الله : { وَقالُوا اتَّـخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحانَهَ بَلْ عِبـادٌ مُكْرَمونَ … } إلـى قوله : { نَـجْزِي الظَّالِـمينَ } حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك ، قال : يقول ناس من الناس { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } يعنـي من الناس أجمعين . فلـيس كذلك ، إنـما يعنـي من يعبد الآلهة وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعُزَير والـملائكة ، واستثنى الله هؤلاء الآلهة الـمعبودة التـي هي ومَنْ يعبدها في النار . حدثنا ابن سِنان القزاز ، قال : ثنا الـحسن بن الـحسين الأشقر ، قال : ثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما نزلت : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ أنْتُـمْ لَهَا وَارِدُون } قال الـمشركون : فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون فأنزل الله : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } لعيسى وغيره . وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب قول من قال : عنـي بقوله : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ } ما كان من معبود كان الـمشركون يعبدونه والـمعبود لله مطيع وعابدوه بعبـادتهم إياه بـالله كفَّـار لأن قوله تعالـى ذكره : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْـحُسْنَى } ابتداء كلام مـحقق لأمر كان ينكره قوم ، علـى نـحو الذي ذكرنا فـي الـخبر عن ابن عباس ، فكأن الـمشركين قالوا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ } ما الأمر كما تقول ، لأنا نعبد الـملائكة ، ويعبد آخرون الـمسيح وعُزَيراً . فقال عزّ وجلّ ردّاً علـيهم قولهم : بل ذلك كذلك ، ولـيس الذين سبقت لهم منا الـحسنى هم عنها مبعدون ، لأنهم غير معنـيـين بقولنا : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ } فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ } فقول لا معنى له لأن الاستثناء إنـما هو إخراج الـمستثنى من الـمستثنى منه ، ولا شكّ أن الذين سبقت لهم منا الـحسنى إنـما هم إما ملائكة وإما إنس أو جانّ ، وكلّ هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بمن لا بما ، والله تعالـى ذكره إنـما ذكر الـمعبودين الذين أخبر أنهم حَصَب جهنـم بما ، قال : { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّـمَ } إنـما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الـحجارة والـخشب ، لا من كان من الـملائكة والإنس . فإذا كان ذلك كذلك لـما وصفنا ، فقوله : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى } جواب من الله للقائلـين ما ذكرنا من الـمشركين مبتدأ . وأما الـحُسنى فإنها الفُعلـى من الـحسن ، وإنـما عنـي بها السعادة السابقة من الله لهم . كما : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الـحُسْنَى } قال : الـحسنى : السعادة . وقال : سبقت السعادة لأهلها من الله ، وسبق الشقاء لأهله من الله .