Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 78-79)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : واذكر داود وسلـيـمان يا مـحمد إذ يحكمان فـي الـحرث . واختلف أهل التأويـل فـي ذلك الـحرث ما كان ؟ فقال بعضهم : كان نبتاً . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن ابن إسحاق ، عن مرّة فـي قوله : { إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ } قال : كان الـحرث نبتاً . حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قَتادة ، قال : ذكر لنا أن غنـم القوم وقعت فـي زرع لـيلاً . وقال آخرون : بل كان ذلك الـحرث كَرْما . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الـمـحاربـيّ ، عن أشعث ، عن أبـي إسحاق ، عن مرّة ، عن ابن مسعود ، فـي قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ } قال : كَرْم قد أنبت عناقـيده . حدثنا تـميـم بن الـمنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبـي إسحاق ، عن مسروق ، عن شريح ، قال : كان الـحرث كَرْماً . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ما قال الله تبـارك وتعالـى : { إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ } والـحرث : إنـما هو حرث الأرض . وجائز أن يكون ذلك كان زرعاً ، وجائز أن يكون غَرْساً ، وغير ضائر الـجهل بأيّ ذلك كان . وقوله : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } يقول : حين دخـلت فـي هذا الـحرث غنـم القوم الآخرين من غير أهل الـحرث لـيلاً ، فرعته أو أفسدته . { وكُنَّا لحِكْمِهِمْ شاهِدِينَ } يقول : وكنا لـحكم داود وسلـيـمان والقوم الذين حَكَما بـينهم فـيـما أفسدت غنـم أهل الغنـم من حرث أهل الـحرث ، شاهدين لا يخفـى علـينا منه شيء ، ولا يغيب عنا علـمه . وقوله : { فَفَهَّمْناها } يقول : ففهَّمنا القضية فـي ذلك سُلَـيْـمانَ دون داود . { وكُلاًّ آتَـيْنا حُكْماً وَعِلْـماً } يقول : وكلهم من داود وسلـيـمان والرسل الذين ذكرهم فـي أوّل هذه السورة آتـينا حكماً وهو النبوة ، وعلـما : يعنـي وعلـماً بأحكام الله . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصمّ قالا : ثنا الـمـحاربـيّ ، عن أشعث ، عن أبـي إسحاق ، عن مرّة ، عن ابن مسعود ، فـي قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } قال : كرم قد أنبت عناقـيده فأفسدته . قال : فقضى داود بـالغنـم لصاحب الكرم ، فقال سلـيـمان : غير هذا يا نبـيّ الله قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلـى صاحب الغنـم فـيقوم علـيه حتـى يعود كما كان ، وتُدفع الغنـم إلـى صاحب الكرم فـيصيب منها ، حتـى إذا كان الكرم كما كان دَفعت الكرم إلى صاحبه ودَفعت الغنـم إلـى صاحبها . فذلك قوله : { فَفَهَّمْناها سُلَـيْـمانَ } . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ . … } إلـى قوله : { وكُنَّا لِـحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ } يقول : كنا لـمِا حكما شاهدين . وذلك أن رجلـين دخلا علـى داود ، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنـم ، فقال صاحب الـحرث : إن هذا أرسل غنـمه فـي حرثـي ، فلـم يُبق من حرثـي شيئا . فقال له داود : اذهب فإن الغنـم كلها لك فقضى بذلك داود . ومرّ صاحب الغنـم بسلـيـمان ، فأخبره بـالذي قضى به داود ، فدخـل سلـيـمان علـى داود فقال : يا نبـيّ الله إن القضاء سوى الذي قضيت . فقال : كيف ؟ قال سلـيـمان : إن الـحرث لا يخفـي علـى صاحبه ما يخرج منه فـي كل عام ، فله من صاحب الغنـم أن يبـيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتـى يستوفـي ثمن الـحرث ، فإن الغنـم لها نسل فـي كلّ عام . فقال داود : قد أصبت ، القضاءُ كما قضيتَ . ففهَّمها الله سلـيـمان . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن علـيّ بن زيد ، قال : ثنـي خـلـيفة ، عن ابن عبـاس قال : قضى داود بـالغنـم لأصحاب الـحرث ، فخرج الرُّعاة معهم الكلاب ، فقال سلـيـمان : كيف قضى بـينكم ؟ فأخبروه ، فقال : لو وافـيت أمركم لقضيت بغير هذا . فأُخبر بذلك داود ، فدعاه فقال : كيف تقضي بـينهم ؟ قال : أدفع الغنـم إلـى أصحاب الـحرث ، فـيكون لهم أولادها وألبـانها وسِلاؤها ومنافعها ، ويبذر أصحاب الغنـم لأهل الـحرث مثل حرثهم ، فإذا بلغ الـحرث الذي كان علـيه ، أخذ أصحاب الـحرث الـحرث وردّوا الغنـم إلـى أصحابها . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، قال : ثنا ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـم القَوْمِ } قال : أعطاهم داود رقاب الغنـم بـالـحرث ، وحكم سلـيـمان بجِزّة الغنـم وألبـانها لأهل الـحرث ، وعلـيهم رعايتها علـى أهل الـحرث ، ويحرث لهم أهل الغنـم حتـى يكون الـحرث كهيئته يوم أُكل ، ثم يدفعونه إلـى أهله ويأخذون غنـمهم . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنـي ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج بنـحوه ، إلا أنه قال : وعلـيهم رعيها . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن ابن إسحاق ، عن مرّة فـي قوله : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } قال : كان الـحرث نبتاً ، فنفشت فـيه لـيلاً ، فـاختصموا فـيه إلـى داود ، فقضى بـالغنـم لأصحاب الـحرث . فمرّوا علـى سلـيـمان ، فذكروا ذلك له ، فقال : لا ، تُدفع الغنـم فـيصيبون منها يعنـي أصحاب الـحرث ويقوم هؤلاء علـى حرثهم ، فإذا كان كما كان ردّوا علـيهم . فنزلت : { ففَهَّمْناها سُلَـيْـمانَ } . حدثنا تـميـم بن الـمنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبـي إسحاق ، عن مسروق ، عن شريح ، فـي قوله : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } قال : كان النفْش لـيلاً ، وكان الـحرث كرما ، قال : فجعل داود الغنـم لصاحب الكرم ، قال : فقال سلـيـمان : إن صاحب الكرم قد بقـي له أصل أرضه وأصل كرمه ، فـاجعل له أصوافها وألبـانها قال : فهو قول الله : { ففَهَّمْناها سُلَـيْـمانَ } . حدثنا ابن أبـي زياد ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا إسماعيـل ، عن عامر ، قال : جاء رجلان إلـى شُرَيح ، فقال أحدهما : إن شياه هذا قطعت غَزْلاً لـي ، فقال شريح : نهاراً أم لـيلاً ؟ قال : إن كان نهارا فقد برىء صاحب الشياه ، وإن كان لـيلاً فقد ضمن . ثم قرأ : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } قال : كان النفش لـيلاً . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن عامر ، عن شريح بنـحوه . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد عن الشعبـيّ ، عن شريح ، مثله . حدثنا بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ … } الآية ، النفْش بـاللـيـل ، والهَمَل بـالنهار . وذُكر لنا أن غنـم القوم وقعت فـي زرع لـيلاً ، فرُفع ذلك إلـى داود ، فقضى بـالغنـم لأصحاب الزرع ، فقال سلـيـمان : لـيس كذلك ، ولكن له نسلها وَرسْلها وعوارضها وجُزازها ، حتـى إذا كان من العام الـمقبل كهيئته يوم أكل دفعت الغنـم إلـى ربها وقبض صاحب الزرع زرعه . فقال الله : { ففَهَّمْناها سُلَـيْـمانَ } . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة والزهري : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } قال : نفشت غنـم فـي حرث قوم . قال الزهري : والنفش لا يكون إلا لـيلاً ، فقضى داود أن يأخذ الغنـم ، ففهمها الله سلـيـمان ، قال : فلـما أخبر بقضاء داود ، قال : لا ، ولكن خذوا الغنـم ، ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلـى الـحول . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } قال : فـي حرث قوم . قال معمر : قال الزهري : النفش لا يكون إلا بـاللـيـل ، والهمل بـالنهار . قال قَتادة : فقضي أن يأخذوا الغنـم ، ففهمها الله سلـيـمان ، ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث عبد الأعلـى . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ … } الآيتـين ، قال : انفلتت غنـم رجل علـى حرث رجل فأكلته ، فجاء إلـى داود ، فقضى فـيها بـالغنـم لصاحب الـحرث بـما أكلت وكأنه رأى أنه وجه ذلك . فمرّوا بسلـيـمان ، فقال : ما قضى بـينكم نبـيّ الله ؟ فأخبروه ، فقال : ألا أقضي بـينكما عسى أن ترضيا به ؟ فقالا : نعم . فقال : أما أنت يا صاحب الـحرث ، فخذ غنـم هذا الرجل فكن فـيها كما كان صاحبها ، أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب ، واحرث أنت يا صاحب الغنـم حرث هذا الرجل ، حتـى إذا كان حرثه مثله لـيـلة نفشت فـيه غنـمك فأعطه حرثه وخذ غنـمك فذلك قول الله تبـارك وتعالـى : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } . وقرأ حتـى بلغ قوله : { وكُلاًّ آتَـيْنا حُكْماً وَعِلْـماً } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الـخراسانـي ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } قال : رعت . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : النفش : الرعية تـحت اللـيـل . قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن حرام بن مـحيصة بن مسعود ، قال : دخـلت ناقة للبراء بن عازب حائطا لبعض الأنصار فأفسدته ، فرفُع ذلك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } فقضى علـى البراء بـما أفسدته الناقة ، وقال : " عَلـى أصحَابِ الـمَاشِيَةِ حِفْظُ الـمَاشِيَةِ بـاللَّـيْـلِ ، وَعَلـى أصحَابِ الـحَوَائِطِ حِفْظُ حِيطانِهِمْ بـالنَّهارِ " قال الزهري : وكان قضاء داود وسلـيـمان فـي ذلك أن رجلاً دخـلت ما شيته زرعاً لرجل فأفسدته ، ولا يكون النفوش إلا بـاللـيـل ، فـارتفعا إلـى داود ، فقضى بغنـم صاحب الغنـم لصاحب الزرع ، فـانصرفـا ، فمرّا بسلـيـمان ، فقال : بـماذا قضى بـينكما نبيّ الله ؟ فقالا : قضى بالغنـم لصاحب الزرع . فقال : إن الـحكم لعلـى غير هذا ، انصرفـا معي فأتـى أبـاه داود ، فقال : يا نبـيّ الله ، قضيت علـى هذا بغنـمه لصاحب الزرع ؟ قال نعم . قال : يا نبـيّ الله ، إن الـحكم لعلـى غير هذا . قال : وكيف يا نُبـيّ الله ؟ قال : تدفع الغنـم إلـى صاحب الزرع فـيصيب من ألبـانها وسمُونها وأصوافها ، وتدفع الزرع إلـى صاحب الغنـم يقوم علـيه ، فإذا عاد الزرع إلـى حالة التـي أصابته الغنـم علـيها رُدّت الغنـم علـى صاحب الغنـم ورُدّ الزرع إلـى صاحب الزرع . فقال داود : لا يقطع الله فَمَك فقضى بـما قضى سلـيـمان . قال الزهريّ : فذلك قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ … } إلـى قوله : { حُكْماً وَعِلْـماً } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، وعلـيّ بن مـجاهد ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : فحدثنـي من سمع الـحسن يقول : كان الـحكم بـما قضى به سلـيـمان ، ولـم يعنِّف الله داود فـي حكمه . وقوله : { وَسَخَّرْنا مَعَ دَاوُدَ الـجِبـالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ } يقول تعالـى ذكره : وسخرنا مع داود الـجبـال والطير يسبحن معه إذا سبح . وكان قَتادة يقول فـي معنى قوله : { يُسَبِّحْنَ } فـي هذا الـموضع ما : حدثنا به بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : { وَسَخَّرْنا مَعَ دَاوُدَ الـجبـالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ } : أي يصلـين مع داود إذا صلـى . وقوله : { وكُنَّا فـاعِلِـينَ } يقول : وكنا قد قضينا أنا فـاعلو ذلك ، ومسخروا الـجبـال والطير فـي أمّ الكتاب مع داود علـيه الصلاة والسلام .