Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : أَذن الله للـمؤمنـين الذين يقاتلون الـمشركين فـي سبـيـله بأن الـمشركين ظلـموهم بقتالهم . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة : { أُذِنَ } بضم الألف ، { يُقاتَلُونَ } بفتـح التاء بترك تسمية الفـاعل فـي « أُذِنَ » و « يُقاتَلُون » جميعاً . وقرأ ذلك بعض الكوفـيـين وعامة قرّاء البصرة : { أُذِنَ } بترك تسمية الفـاعل ، و « يُقاتِلُونَ » بكسر التاء ، بـمعنى يقاتل الـمأذون لهم فـي القتال الـمشركين . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين وبعض الـمكيـين : « أَذِنَ » بفتـح الألف ، بـمعنى : أذن الله ، و « يُقاتِلُونَ » بكسر التاء ، بـمعنى : إن الذين أذن الله لهم بـالقتال يقاتلون الـمشركين . وهذه القراءات الثلاث متقاربـات الـمعنى لأن الذين قرءوا أُذِنَ علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله يرجع معناه فـي التأويـل إلـى معنى قراءة من قرأه علـى وجه ما سمي فـاعله . وإن من قرأ « يُقاتِلونَ ويُقاتَلُونَ » بـالكسر أو الفتـح ، فقريب معنى أحدهما من معنى الآخر وذلك أن من قاتل إنسانا فـالذي قاتله له مقاتل ، وكل واحد منهما مقاتل . فإذ كان ذلك كذلك فبأية هذه القراءات قرأ القاريء فمصيب الصواب . غير أن أحبّ ذلك إلـيّ أن أقرأ به : « أَذِنَ » بفتـح الألف ، بـمعنى : أذن الله ، لقرب ذلك من قوله : { إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } أذن الله فـي الذين لا يحبهم للذين يقاتلونهم بقتالهم ، فـيردّ « أَذنَ » علـى قوله : { إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ } ، وكذلك أحبّ القراءات إلـيّ فـي « يُقاتِلُونَ » كسر التاء ، بـمعنى : الذين يقاتلون من قد أخبر الله عنهم أنه لا يحبهم ، فـيكون الكلام متصلاً معنى بعضه ببعض . وقد اختُلف فـي الذين عُنوا بـالإذن لهم بهذه الآية فـي القتال ، فقال بعضهم : عنـي به : نبـيّ الله وأصحابه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلـى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ } يعنـي مـحمداً وأصحابه إذا أُخرجوا من مكة إلـى الـمدينة يقول الله : { فإنَّ اللَّهَ عَلـى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ } وقد فعل . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفـيان ، عن الأعمش ، عن مسلـم البطين ، عن سعيد بن جُبـير ، قال : لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال رجل : أخرجوا نبـيهم فنزلت : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا } … الآية ، { الَّذِينَ أخرِجُوا منْ دِيارِهمْ بغيرِ حقَ } النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه . حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا إسحاق بن يوسف ، عن سفـيان ، عن الأعمش ، عن مسلـم ، عن سعيد بن جُبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبـيهم ، إنا لله وإنا إلـيه راجعون ، لـيهلكُنَّ قال ابن عبـاس : فأنزل الله : { أُذِنَ للَّذِينَ يَقاتَلونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلـى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ } قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال . وهي أوّل آية نزلت . قال ابن داود : قال ابن إسحاق : كانوا يقرءون : « أُذِنَ » ونـحن نقرأ : « أَذِنَ » . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا إسحاق ، عن سفـيان ، عن الأعمش ، عن مسلـم ، عن سعيد بن جُبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نـحوه ، إلا أنه قال : فقال أبو بكر : قد علـمت أنه يكون قتال . وإلـى هذا الـموضع انتهى حديثه ، ولـم يزد علـيه . حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي ، قال : ثنا مـحمد بن يوسف ، قال : ثنا قـيس بن الربـيع ، عن الأعمش ، عن مسلـم ، عن سعيد بن جُبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال أبو بكر : إنا لله وإنا إلـيه راجعون ، أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لـيهلكُنّ جميعاً فلـما نزلت : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا } … إلـى قوله : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ } عرف أبو بكر أنه سيكون قتال . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا } قال : أذن لهم فـي قتالهم بعد ما عفـا عنهم عشر سنـين . وقرأ : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ } وقال : هؤلاء الـمؤمنون . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، فـي قوله : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ } . وقال آخرون : بل عُنـي بهذه الآية قوم بأعيانهم كانوا خرجوا من دار الـحرب يريدون الهجرة ، فُمِنُعوا من ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا } قال : أناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكة إلـى الـمدينة ، فكانوا يـمنعون ، فأذن اللَّهِ للـمؤمنـين بقتال الكفـار ، فقاتلوهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا } قال : ناس من الـمؤمنـين خرجوا مهاجرين من مكة إلـى الـمدينة ، وكانوا يـمنعون ، فأدركهم الكفـار ، فأذن للـمؤمنـين بقتال الكفـار فقاتلوهم . قال ابن جُرَيج : يقول : أوّل قتال أذن الله به للـمؤمنـين . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : فـي حرف ابن مسعود : « أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ فـي سَبِـيـلِ اللَّهِ » قال قَتادة : وهي أوّل آية نزلت فـي القتال ، فأذن لهم أن يقاتلوا . حدثنا الـحَسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا } قال : هي أوّل آية أنزلت فـي القتال ، فأذن لهم أن يقاتلوا . وقد كان بعضهم يزعم أَن الله إنـما قال : أذن للذين يقاتلون بـالقتال من أجل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي قتل الكفـار إذَ آذوهم واشتدّوا علـيهم بـمكة قبل الهجرة غيـلة سرّا فأنزل الله فـي ذلك : { إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } فَلَـمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلـى الـمدينة ، أطلق لهم قتلهم وقتالهم ، فقال : { أُذِنَ للَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنَّهُمْ ظُلِـمُوا } . وهذا قول ذكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت . وقوله : { وَإنَّ اللَّهَ عَلـى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } يقول جلّ ثناؤه : وإن الله علـى نصر الـمؤمنـين الذين يقاتلون فـي سبـيـل الله لقادر ، وقد نصرهم فأعزّهم ورفعهم وأهلك عدوّهم وأذلهم بأيديهم .