Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 40-40)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : أذن للذين يقاتلون { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ } ف « الذين » الثانـية ردّ علـى « الذين » الأولـى . وعنى بـالـمخرجين من دورهم : الـمؤمنـين الذين أخرجهم كفـار قريش من مكة . وكان إخراجهم إياهم من دورهم وتعذيبهم بعضهم علـى الإيـمان بـالله ورسوله ، وسبّهم بعضهم بألسنتهم ووعيدهم إياهم ، حتـى اضطرّوهم إلـى الـخروج عنهم . وكان فعلهم ذلك بهم بغير حقّ لأنهم كانوا علـى بـاطل والـمؤمنون علـى الـحقّ ، فلذلك قال جلّ ثناؤه : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ } . وقوله : { إلا أنْ يَقُولُوا رَبُّنا اللَّهُ } يقول تعالـى ذكره : لـم يخرجوا من ديارهم إلا بقولهم : ربنا الله وحده لا شريك له ف « أنْ » فـي موضع خفض ردّاً علـى البـاء فـي قوله : { بِغَيْرِ حَقّ } ، وقد يجوز أن تكون فـي موضع نصب علـى وجه الاستثناء . وقوله : { ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولولا دفع الله الـمشركين بـالـمسلـمين . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } دفع الـمشركين بـالـمسلـمين . وقال آخرون : معنى ذلك : ولولا القتال والـجهاد فـي سبـيـل الله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهَ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } قال : لولا القتال والـجهاد . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولولا دفع الله بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن بعدهم من التابعين . ذكر من قال ذلك : حدثنا إبراهيـم بن سعيد ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيـم ، عن سيف بن عمرو ، عن أبـي روق ، عن ثابت بن عوسجة الـحضْرميّ ، قال : ثني سبعة وعشرون من أصحاب علـيّ وعبد الله منهم لاحق ابن الأقمر ، والعيزار بن جرول ، وعطية القرظيّ ، أن علـيًّا رضي الله عنه قال : إنـما أنزلت هذه الآية فـي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } لولا دفـاع الله بأصحاب مـحمد عن التابعين { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبـيَعٌ } . وقال آخرون : بل معنى ذلك : لولا أن الله يدفع بـمن أوجب قبول شهادته فـي الـحقوق تكون لبعض الناس علـى بعض عمن لا يجوز قبول شهادته وغيره ، فأحيا بذلك مال هذا ويوقـي بسبب هذا إراقة دم هذا ، وتركوا الـمظالـم من أجله ، لتظالَـمَ النَّاسُ فُهدمت صوامع . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } يقول : دفع بعضهم بعضاً فـي الشهادة ، وفـي الـحقّ ، وفـيـما يكون من قبل هذا . يقول : لولاهم لأهلكت هذه الصوامع وما ذكر معها . وأولى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لولا دفـاعه الناس بعضهم ببعض ، لهُدم ما ذكر ، من دفعه تعالـى ذكره بعضَهم ببعض ، كفِّه الـمشركين بـالـمسلـمين عن ذلك ومنه كفه ببعضهم التظالـم ، كالسلطان الذي كفّ به رعيته عن التظالم بينهم ومنه كفُّه لـمن أجاز شهادته بـينهم ببعضهم عن الذهاب بحقّ من له قِبله حق ، ونـحو ذلك . وكلّ ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض ، لولا ذلك لتظالـموا ، فهدم القاهرون صوامع الـمقهورين وبـيَعهم وما سمّى جلّ ثناؤه . ولـم يضع الله تعالـى دلالة فـي عقل علـى أنه عنـي من ذلك بعضاً دون بعض ، ولا جاء بأن ذلك كذلك خبر يجب التسلـيـم له ، فذلك علـى الظاهر والعموم علـى ما قد بـيَّنته قبل لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا . وقوله : { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالصوامع ، فقال بعضهم : عُنـي بها صوامع الرهبـان . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن رُفـيع فـي هذه الآية : { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } قال : صوامع الرهبـان . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } قال : صوامع الرهبـان . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد : { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } قال : صوامع الرهبـان . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } قال : صوامع الرهبـان . حُدثت عن الـحسين ، قال : ثنا سمعت أبـا معاذ ، يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : فـي قوله : { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } وهي صوامع الصغار يبنونها . وقال آخرون : بل هي صوامع الصابئين . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { صَوَامِعُ } قال : هي للصابئين . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { لَهُدّمَتْ } . فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة : « لَهُدِمَتْ » خفـيفة . وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة والبصرة : { لَهُدّمَتْ } بـالتشديد بـمعنى تكرير الهدم فـيها مرّة بعد مرّة . والتشديد فـي ذلك أعجب القراءتـين إلـيّ . لأن ذلك من أفعال أهل الكفر بذلك . وأما قوله { وَبِـيَعٌ } فإنه يعنـي بها : بـيع النصارى . وقد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك ، فقال بعضهم مثل الذي قلنا فـي ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن رُفـيع : { وَبِـيَعٌ } قال : بـيع النصارى . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : { وَبِـيَعٌ } للنصارى . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : البِـيَعُ : بـيع النصارى . وقال آخرون : عُنـي بـالبـيع فـي هذا الـموضع : كنائس الـيهود . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قال : { وَبِـيَعٌ } قال : وكنائس . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . وحدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَبِـيَعٌ } قال : البِـيَعُ الكنائس . قوله : { وَصَلَوَاتٌ } اختلف أهل التأويـل فـي معناه ، فقال بعضهم : عنـي بـالصلوات الكنائس . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد ابن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَصَلَوَاتٌ } قال : يعنـي بـالصلوات الكنائس . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَصَلَوَاتٌ } : كنائس الـيهود ، ويسمون الكنـيسة صَلُوتَا . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : وَصَلَوَاتٌ كنائس الـيهود . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله . وقال آخرون : عنـي بـالصلوات مساجد الصابئين . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، قال : سألت أبـا العالـية عن الصلوات ، قال : هي مساجد الصابئين . قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن رُفـيع ، نـحوه . وقال آخرون : هي مساجد للـمسلـمين ولأهل الكتاب بـالطرق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَصَلَوَاتٌ } قال : مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بـالطرق . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، نـحوه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَصَلَوَاتٌ } قال : الصلوات صلوات أهل الإسلام ، تنقطع إذا دخل العدوّ عليهم ، انقطعت العبـادة ، والـمساجد تهدم ، كما صنع بختنصر . وقوله : { وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِـيها اسْمُ اللَّهِ كَثِـيراً } اختلف فـي الـمساجد التـي أريدت بهذا القول ، فقال بعضهم : أريد بذلك مساجد الـمسلـمين . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن رُفـيع ، قوله : { وَمَساجِدُ } قال : مساجد الـمسلـمين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، قال : ثنا معمر ، عن قَتادة : { وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِـيها اسْمُ اللَّهِ كَثِـيراً } قال : الـمساجد : مساجد الـمسلـمين يذكر فـيها اسم الله كثـيراً . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، نـحوه . وقال آخرون : عنـي بقوله : { وَمَساجِدُ } : الصوامع والبـيع والصلوات . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، فـي قوله : { وَمَساجِدُ } يقول فـي كلّ هذا يذكر اسم الله كثـيرا ، ولـم يخصّ الـمساجد . وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول : الصلوات لا تهدم ، ولكن حمله علـى فعل آخر ، كأنه قال : وتركت صلوات . وقال بعضهم : إنـما يعنـي : مواضع الصلوات . وقال بعضهم : إنـما هي صلوات ، وهي كنائس الـيهود ، تُدعى بـالعبرانـية : صَلُوتَا . وأولـى هذه الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال : معنى ذلك : لهدمت صوامع الرهبـان وبِـيعَ النصارى ، وصلوات الـيهود ، وهي كنائسهم ، ومساجد الـمسلـمين التـي يذكر فـيها اسم الله كثـيراً . وإنـما قلنا هذا القول أولـى بتأويـل ذلك لأن ذلك هو الـمعروف فـي كلام العرب الـمستفـيض فـيهم ، وما خالفه من القول وإن كان له وجه فغير مستعمل فـيـما وجهه إلـيه مَنْ وجهه إلـيه . وقوله : { وَلَـيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } يقول تعالـى ذكره : ولـيعيننّ الله من يقاتل فـي سبـيـله ، لتكون كلـمته العلـيا علـى عدوّه فَنْصُر الله عبده : معونته إياه ، ونَصْرُ العبد ربه : جهاده فـي سبـيـله ، لتكون كلـمته العلـيا . وقوله : { إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } يقول تعالـى ذكره : إن الله لقويّ علـى نصر من جاهد فـي سبـيـله من أهل ولايته وطاعته ، عزيز فـي مُلكه ، يقول : منـيع فـي سلطانه ، لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب .