Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 73-74)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : يا أيها الناس جعل لله مثل وذكر . ومعنى « ضرب » فـي هذا الـموضع : « جعل » من قولهم : ضرب السلطان علـى الناس البعث ، بـمعنى : جعل علـيهم . وضرب الـجزية علـى النصارى ، بـمعنى جَعْل ذلك علـيهم والـمَثَل : الشبَّهَ ، يقول جلّ ثناؤه : جعل لـي شبه أيها الناس ، يعنـي بـالشبَّه والـمَثَل : الآلهة ، يقول : جعل لـي الـمشركون والأصنام شبهاً ، فعبدوها معي وأشركوها فـي عبـادتـي . { فـاسْتَـمِعُوا له } يقول : فـاستـمعوا حال ما مثلوه وجعلوه فـي عبـادتهم إياه شبها وصفته . { إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْـلُقُوا ذُبـابـاً } يقول : إن جميع ما تعبدون من دون الله من الآلهة والأصنام لو جمعت لـم يخـلقوا ذبـابـاً فـي صغره وقلَّته ، لأنها لا تقدر علـى ذلك ولا تطيقه ، ولو اجتـمع لـخـلقه جميعها . والذبـاب واحد ، وجمعه فـي القلة أذبة وفـي الكثـير ذِبَّـان ، نظير غُراب يجمع فـي القلة أَغْربة وفـي الكثرة غِرْبـان . وقوله : { وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبـابُ شَيْئاً } يقول : وإن يسلب الآلهة والأوثان الذبـابُ شيئاً مـما علـيها من طيب وما أشبهه من شيء لا يستنقذوه منه : يقول : لا تقدر الآلهة أن تستنقذ ذلك منه . واختلف فـي معنى قوله : { ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالـمَطْلُوبُ } فقال بعضهم : عنـي بـالطالب : الآلهة ، وبـالـمطلوب : الذبـاب . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال ابن عبـاس ، فـي قوله : { ضَعُفَ الطَّالِبُ } قال : آلهتهم . { وَالـمَطْلُوبُ } : الذبـاب . وكان بعضهم يقول : معنى ذلك : { ضَعُفَ الطَّالِبُ } من بنـي آدم إلـى الصنـم حاجته ، { والـمَطْلُوبُ } إلـيه الصنـم أن يعطي سائله من بنـي آدم ما سأله ، يقول : ضعف عن ذلك وعجز . والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما ذكرته عن ابن عبـاس من أن معناه : وعجز الطالب وهو الآلهة أن تستنقذ من الذبـاب ما سلبها إياه ، وهو الطيب وما أشبهه والـمطلوب : الذبـاب . وإنـما قلت هذا القول أولـى بتأويـل ذلك ، لأن ذلك فـي سياق الـخبر عن الآلهة والذبـاب فأن يكون ذلك خبراً عما هو به متصل أشبه من أن يكون خبراً عما هو عنه منقطع . وإنـما أخبر جلّ ثناؤه عن الآلهة بـما أخبر به عنها فـي هذه الآية من ضعفها ومهانتها ، تقريعاً منه بذلك عَبَدتها من مشركي قريش ، يقول تعالـى ذكره : كيف يجعل مثل فـي العبـادة ويشرك فـيها معي ما لا قدرة له علـى خـلق ذبـاب ، وإن أخذ له الذبـاب فسلبه شيئاً علـيه لـم يقدر أن يـمتنع منه ولا ينتصر ، وأنا الـخالق ما فـي السموات والأرض ومالكٌ جميع ذلك ، والـمـحيـي من أردت والـمـميت ما أردت ومن أردت . إن فـاعل ذلك لا شكّ أنه فـي غاية الـجهل . وقوله : { ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } يقول : ما عظم هؤلاء الذين جعلوا الآلهة لله شريكاً فـي العبـادة حقّ عظمته حين أشركوا به غيره ، فلـم يخـلصوا له العبـادة ولا عرفوه حقّ معرفته من قولهم : ما عرفت لفلان قدره إذا خاطبوا بذلك من قَصَّر بحقه وهم يريدون تعظيـمه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبـابُ شَيْئاً } … إلـى آخر الآية ، قال : هذا مثل ضربه الله لآلهتهم . وقرأ : { ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالـمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } حين يعبدون مع الله ما لا ينتصف من الذبـاب ولا يـمتنع منه . وقوله : { إنَّ اللَّهَ لَقَوِيّ } يقول : إن الله لقويّ علـى خـلق ما يشاء من صغير ما يشاء من خـلقه وكبـيره . { عَزِيزٌ } يقول : منـيع فـي مُلكه لا يقدر شيء دونه أن يسلبه من ملكه شيئاً ، ولـيس كآلهتكم أيها الـمشركون الذين تدعون من دونه الذين لا يقدرون علـى خـلق ذبـاب ولا علـى الامتناع من الذبـاب إذا استلبها شيئاً ضعفـاً ومهانة .