Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 13-14)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { ثُمَّ جَعَلْناهُ نطْفَةً فِـي قَرَارٍ مَكِينٍ } ثم جعلنا الإنسان الذي جعلناه من سلالة من طين ، نطفة فـي قرار مكين ، وهو حيث استقرّت فـيه نطفة الرجل من رحم الـمرأة . ووصفه بأنه مكين ، لأنه مُكّن لذلك وهيىء له لـيستقرّ فـيه إلـى بلوغ أمره الذي جعله له قراراً . وقوله : { ثُمَّ خَـلَقْنا النطْفَةَ عَلَقَةً } يقول : ثم صيرنا النطفة التـي جعلناها فـي قرار مكين علقة ، وهي القطعة من الدم . { فَخَـلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً } يقول : فَجعلنا ذلك الدم مضغة ، وهي القطعة من اللـحم . وقوله : { فخَـلَقْنا الـمُضْغَةَ عِظاماً } يقول : فجعلنا تلك الـمضغة اللـحم عظاماً . وقد اختلفت القرَّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والعراق سوى عاصم : { فخَـلَقْنا الـمُضْغَةَ عِظاماً } علـى الـجماع ، وكان عاصم وعبد الله يقرآن ذلك : « عَظْماً » فِـي الـحرفـين علـى التوحيد جميعاً . والقراءة التـي نـختار فـي ذلك الـجماع ، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه . وقوله : { فَكَسَوْنا العِظامَ لَـحْماً } يقول : فألبسنا العظام لـحماً . وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله : « ثُمَّ خَـلَقْنا النطْفَةَ عَظْما وعصبـاً فَكَسَوْنَاه لَـحْماً » . وقوله : { ثُمَّ أنْشأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } يقول : ثم أنشأنا هذا الإنسان خـلقا آخر . وهذه الهاء التـي فـي : أنْشَأْناهُ عائدة علـى « الإنسان » فـي قوله : { وَلَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ } قد يجوز أن تكون من ذكر العظم والنطفة والـمضغة ، جعل ذلك كله كالشيء الواحد ، فقـيـل : ثم أنشأنا ذلك خـلقاً آخر . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } فقال بعضهم : إنشاؤه إياه خـلقاً آخر : نفخه الروح فـيه ، فـيصير حينئذٍ إنساناً ، وكان قبل ذلك صورة . ذكر من قال ذلك : حدثنا يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عبـاس فـي قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } قال : نفخ الروح فـيه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا هشيـم عن الـحجاج بن أرطأة عن عطاء ، عن ابن عبـاس ، بـمثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عبـاس : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } قال : الروح . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن عبد الرحمن بن الأصبهانـي عن عكرمة ، فـي قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ } قال : نفخ الروح فـيه . حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى ، قالا : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سلـمة ، عن داود بن أبـي هند ، عن الشعبـيّ : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } قال : نفخ فـيه الروح . قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن منصور ، عن مـجاهد ، بـمثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي جعفر ، عن الربـيع ، عن أبـي العالـية ، فـي قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ } قال : نفخ فـيه الروح ، فهو الـخـلق الآخر الذي ذكر . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، فـي قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً } يعنـي الروح تنفخ فـيه بعد الـخـلق . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ } قال : الروح الذي جعله فـيه . وقال آخرون : إنشاؤه خـلقا آخر تصريفه إياه فـي الأحوال بعد الولادة : فـي الطفولة ، والكهولة ، والاغتذاء ، ونبـات الشعر ، والسنّ ، ونـحو ذلك من أحوال الأحياء فـي الدنـيا . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ فَتَبـارَكَ اللّهُ أحْسَنُ الـخالِقِـينَ } يقول : خرج من بطن أمه بعدما خـلق ، فكان من بدء خـلقه الآخر أن استهلّ ، ثم كان من خـلقه دُلّ علـى ثدي أمه ، ثم كان من خـلقه أن علـم كيف يبسط رجلـيه ، إلـى أن قعد ، إلـى أن حبـا ، إلـى أن قام علـى رجلـيه ، إلـى أن مشى ، إلـى أن قُطِم ، فعلـم كيف يشرب ويأكل من الطعام ، إلـى أن بلغ الـحلـم ، إلـى أن بلغ أن يتقلّب فـي البلاد . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } قال : يقول بعضهم : هو نبـات الشعر ، وبعضهم يقول : هو نفخ الروح . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قَتادة ، مثله . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } قال : يقال الـخـلق الآخر بعد خروجه من بطن أمه بسنه وشعره . وقال آخرون : بل عَنَى بإنشائه خـلقاً آخر : سوّى شبـابه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَـلْقاً آخَرَ } قال : حين استوى شبـابه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال مـجاهد : حين استوى به الشبـاب . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال : عنى بذلك نفخ الروح فـيه وذلك أنه بنفخ الروح فـيه يتـحوّل خـلقاً آخر إنساناً ، وكان قبل ذلك بـالأحوال التـي وصفه الله أنه كان بها ، من نطفة وعلقة ومضغة وعظم وبنفخ الروح فـيه ، يتـحوّل عن تلك الـمعانـي كلها إلـى معنى الإنسانـية ، كما تـحوّل أبوه آدم بنفخ الروح فـي الطينة التـي خـلق منها إنساناً وخـلقاً آخر غير الطين الذي خـلق منه . وقوله : { فَتَبـارَكَ اللّهُ أحْسَنُ الـخالِقِـينَ } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه فتبـارك الله أحسن الصانعين . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن لـيث ، عن مـجاهد : { فَتَبـارَكَ اللّهُ أحْسَنُ الـخالِقِـينَ } قال : يصنعون ويصنع الله ، والله خير الصانعين . وقال آخرون : إنـما قـيـل : { فَتَبارَكَ اللّهُ أحْسَنُ الـخالِقِـينَ } لأن عيسى ابن مريـم كان يخـلق ، فأخبر جلّ ثناؤه عن نفسه أنه يخـلق أحسن مـما كان يخـلق . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، فـي قوله : { فَتَبـارَكَ اللّهُ أحْسَنُ الـخالِقِـينَ } قال : عيسى ابن مريـم يخـلق . وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول مـجاهد ، لأن العرب تسمي كل صانع خالقاً ومنه قول زهير : @ وَلأَنْتَ تَفْرِي ما خَـلَقْتَ وَبَعْ ضُ القَوْمِ يَخْـلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي @@ ويروى :