Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 90-92)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول : ما الأمر كما يزعم هؤلاء الـمشركون بـالله من أن الـملائكة بناتُ الله وأن الآلهة والأصنام آلهة دون الله . { بَلْ أتَـيْناهُمْ بـالْـحَقِّ } الـيقـين ، وهو الدين الذي ابتعث الله به نبـيه صلى الله عليه وسلم ، وذلك الإسلام ، ولا يُعْبَد شيء سوى الله لأنه لا إله غيره . { وإنَّهُمْ لَكاذِبُونَ } يقول : وإن الـمشركين لكاذبون فـيـما يضيفون إلـى الله ويَنْـحَلُونه من الولد والشريك . وقوله : { ما اتَّـخَذَ اللّهُ منْ وَلَدٍ } يقول تعالـى ذكره : ما لله من ولد ، ولا كان معه فـي القديـم ولا حين ابتدع الأشياء مَنْ تصلـح عبـادته ، ولو كان معه فـي القديـم أو عند خـلقه الأشياء مَنْ تصلـح عبـادته { مِنْ إلهٍ إذاً لَذَهَب } يقول : إذن لاعتزل كلّ إله منهم { بِـما خَـلَقَ } من شيء ، فـانفرد به ، ولتغالبوا ، فلَعَلا بعضهم علـى بعض ، وغلب القويّ منهم الضعيف لأن القويّ لا يرضى أن يعلُوَه ضعيف ، والضعيف لا يصلـح أن يكون إلها . فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها لـمن عقل وتدبر وقوله : { إذاً لَذَهَبَ } جواب لـمـحذوف ، وهو : لو كان معه إله إذن لذهب كل إله بـما خـلق اجتزىء بدلالة ما ذكر علـيه عنه ، وقوله : { سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } يقول تعالـى ذكره : تنزيهاً لله عما يصفه به هؤلاء الـمشركون من أن له ولداً ، وعما قالوه من أن له شريكاً ، أو أن معه فـي القدم إلهاً يُعبد ، تبـارك وتعالـى . وقوله : { عالِـمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ } يقول تعالـى ذكره : هو عالـم ما غاب عن خـلقه من الأشياء ، فلـم يَرَوْه ولـم يشاهدوه ، وما رأوه وشاهدوه . إنـما هذا من الله خبر عن هؤلاء الذين قالوا من الـمشركين : اتـخذ الله ولداً وعبدوا من دونه آلهة ، أنهم فـيـما يقولون ويفعلون مُبْطِلون مخطئون ، فإنهم يقولون ما يقولون من قول فـي ذلك عن غير علـم ، بل عن جهل منهم به وإن العالـم بقديـم الأمور وبحديثها وشاهدها وغائبها عنهم ، الله الذي لا يخفـى علـيه شيء ، فخبره هو الـحق دون خبرهم . وقال : { عالـمُ الغَيْب } فرفع علـى الابتداء ، بـمعنى : هو عالـم الغيب ، ولذلك دخـلت الفـاء فـي قوله : { فَتَعالَـى } كما يقال : مررت بأخيك الـمـحسنُ فأحسنت إلـيه ، فترفع الـمـحسن إذا جعلت فأحسنت إلـيه بـالفـاء ، لأن معنى الكلام إذا كان كذلك : مررت بأخيك هو الـمـحسن ، فأحسنت إلـيه . ولو جعل الكلام بـالواو فقـيـل : وأحسنت إلـيه ، لـم يكن وجه الكلام فـي « الـمـحسن » إلاَّ الـخفض علـى النعت للأخ ، ولذلك لو جاء « فتعالـى » بـالواو كان وجه الكلام فـي عالـم الغيب الـخفض علـى الاتبـاع لإعراب اسم الله ، وكان يكون معنى الكلام : سبحان الله عالـم الغيب والشهادة وتعالـى ! فـيكون قوله : « وتعالـى » حينئذٍ معطوفـاً علـى « سبحان الله » . وقد يجوز الـخفض مع الفـاء ، لأن العرب قد تبدأ الكلام بـالفـاء ، كابتدائها بـالواو . وبـالـخفض كان يقرأ : { عَالِـمِ الغَيْب } فـي هذا الـموضع أبو عمرو ، وعلـى خلافه فـي ذلك قَرَأَة الأمصار . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا : الرفع ، لـمعنـيـين : أحدهما : إجماع الـحجة من القرّاء علـيه ، والثانـي : صحته فـي العربـية . وقوله : { فَتَعالـى عَمَّا يُشْرِكُونَ } يقول تعالـى ذكره : فـارتفع الله وعلا عن شرك هؤلاء الـمشركين ، ووصفهم إياه بـما يصفون .