Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 58-58)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى بقوله : { لـيَسْتأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } فقال بعضهم : عُنـي بذلك الرجال دون النساء ، ونهوا عن أن يدخـلوا علـيهم فـي هذه الأوقات الثلاثة هؤلاء الذين سُمُّوا فـي هذه الآية إلاَّ بإذن . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عَنبسة ، عن لـيث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قوله : { لِـيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } قال : هي علـى الذكور دون الإناث . وقال آخرون : بل عُنِـي به الرجال والنساء . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي حصين ، عن أبـي عبد الرحمن ، فـي قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِـيَسْتأذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } قال : هي فـي الرجال والنساء ، يستأذنون علـى كلّ حال ، بـاللـيـل والنهار . وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال : عُنـي به الذكور والإناث لأن الله عمّ بقوله : { الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمانُكُمْ } جميع أملاك أيـماننا ، ولـم يخصص منهم ذكراً ولا أنثى فذلك علـى جميع من عمه ظاهر التنزيـل . فتأويـل الكلام : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، لـيستأذنكم فـي الدخول علـيكم عبـيدُكم وإماؤكم ، فلا يدخـلوا علـيكم إلاَّ بإذن منكم لهم . { وَالَّذِينَ لَـمْ يَبْلُغُوا الـحُلُـمَ مِنْكُمْ } يقول : والذين لـم يحتلـموا من أحراركم ثلاث مرّات ، يعنـي ثلاث مرات فـي ثلاثة أوقات من ساعات لـيـلكم ونهاركم . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } قال : عبـيدكم الـمـملوكون . { وَالَّذينَ لَـمْ يَبْلُغُوا الـحُلُـمَ منْكُمْ } قال : لـم يحتلـموا من أحراركم . قال ابن جُرَيج : قال لـي عطاء بن أبـي ربـاح : فذلك علـى كل صغير وصغيرة أن يستأذن ، كما قال : { ثَلاَثَ مرّاتٍ منْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِـيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ } قالوا : هي العَتَـمة . قلت : فإذا وضعوا ثـيابهم بعد العتـمة استأذنوا علـيهم حتـى يصبحوا ؟ قال نعم . قلت لعطاء : هل استئذانهم إلاَّ عند وضع الناس ثـيابهم ؟ قال : لا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن صالـح بن كيسان ويعقوب بت عُتبة وإسماعيـل ابن مـحمد ، قالوا : لا استئذان علـى خدم الرجل علـيه إلاَّ فـي العورات الثلاث . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { لِـيَسْتأذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } يقول : إذا خلا الرجل بأهله بعد صلاة العشاء ، فلا يدخـل علـيه خادم ولا صبـيّ إلاَّ بإذن حتـى يصلِّـي الغداة ، فإذا خلا بأهله عند صلاة الظهر فمثل ذلك . حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي قرة بن عبد الرحمن ، عن ابن شهاب ، عن ثعلبة ، عن أبـي مالك القرظي : أنه سأل عبد الله بن سُوَيد الـحارثـيّ ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الإذن فـي العورات الثلاث ، فقال : إذا وضعت ثـيابـي من الظهيرة ، لـم يـلـج علـيّ أحد من الـخدم الذي بلغ الـحلـم ولا أحد مـمن لـم يبلغ الـحلـم من الأحرار ، إلاَّ بإذن . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَـية ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عبـاس : ثلاث آيات جَحَدَهنّ الناس : الإذن كله ، وقال : { إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ } وقال الناس : أكرمكم أعظمكم بـيتا ، ونسيت الثالثة . حدثنا ابن أبـي الشوارب ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا يونس ، عن الـحسن ، فـي هذه الآية : { لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمانُكُمْ } قال : كان الـحسن يقول : إذا أبـات الرجل خادمه معه فهو إذنه ، وإن لـم يبته معه استأذن فـي هذه الساعات . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا سفـيان ، قال : ثنـي موسى بن أبـي عائشة ، عن الشعبـيّ فـي قوله : { لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } قال : لـم تُنسخ . قلت : إن الناس لا يعملون به قال : الله الـمستعان . قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن موسى بن أبـي عائشة ، عن الشعبـيّ ، وسألته عن هذه الآية : { لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } قلت : منسوخة هي ؟ قال : لا والله ما نُسخت ، قلت : إن الناس لا يعملون بها قال : الله الـمستعان . قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو عَوانة ، عن أبـي بشر ، عن سعيد بن جُبـير ، قال : إن ناسا يقولون نسخت ، ولكنها مـما يتهاون الناس به . قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي بشر ، عن سعيد بن جُبـير فـي هذه الآية : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } … إلـى آخر الآية ، قال : لا يعمل بها الـيوم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا حنظلة ، أنه سمع القاسم بن مـحمد يُسْأَل عن الإذن ، فقال : يستأذن عند كلّ عورة ، ثم هو طوّاف يعنـي الرجل علـى أمه . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عثمان بن عمر ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن أبـي رَوّاد ، قال : أخبرنـي رجل من أهل الطائف ، عن غَيلان بن شُرَحبـيـل ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يَغْلِبَنَّكُمُ الأعْرَابُ عَلـى اسْمِ صَلاَتِكُمْ ، قالَ اللّهُ { وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ } وإنَّـمَا العَتَـمَةُ عَتَـمَةُ الإبِلِ " وقوله : { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة : { ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ } برفع « الثلاث » ، بـمعنى الـخبر عن هذه الأوقات التـي ذكرت . كأنه عندهم قـيـل : هذه الأوقات الثلاثة التـي أمرناكم بأن لا يدخـل علـيكم فـيها من ذكرنا إلاَّ بإذن ، ثلاثُ عورات لكم لأنكم تضعون فـيها ثـيابكم وتـخـلُون بأهلـيكم . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : « ثَلاثَ عَوْرَاتٍ » بنصب « الثلاث » علـى الردّ علـى « الثلاث » الأولـى . وكأن معنى الكلام عندهم : لـيستأذنكم الذين ملكت أيـمانكم والذين لـم يبلغوا الـحلـم منكم ثلاثَ مرّات ، ثلاثُ عورات لكم . والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى ، وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ وَلا عَلَـيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ ، طَوَّافُونَ عَلَـيْكُمْ } يقول تعالـى ذكره : لـيس علـيكم معشر أربـاب البـيوت والـمساكن ، { ولا عَلَـيْهِمْ } يعنـي : ولا علـى الذين ملكت أيـمانكم من الرجال والنساء والذين لـم يبلغوا الـحلـم من أولادكم الصغار حرج ولا إثم بعدهنّ ، يعنـي بعد العورات الثلاث . والهاء والنون فـي قوله : { بَعْدَهُنَّ } عائدتان علـى « الثلاث » من قوله : { ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ } . وإنـما يعنـي بذلك أنه لا حرج ولا جُناح علـى الناس أن يدخـل علـيهم مـمالـيكهم البـالغون وصبـيانهم الصغار بغير إذن بعد هذه الأوقات الثلاث اللاتـي ذكرهنّ فـي قوله : { مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِـيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ } . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قال : ثم رخص لهم فـي الدخول فـيـما بـين ذلك بغير إذن ، يعنـي فـيـما بـين صلاة الغداة إلـى الظهر ، وبعد الظهر إلـى صلاة العشاء أنه رخص لـخادم الرجل والصبـيّ أن يدخـل علـيه منزله بغير إذن . قال : وهو قوله : { لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ وَلا عَلَـيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ } فأما من بلغ الـحلُـم فإنه لا يدخـل علـى الرجل وأهله إلاَّ بإذن علـى كل حال . وقوله : { طَوَّافُونَ عَلَـيْكُمْ } رفع « الطوّافون » بـمضمر ، وذلك « هم » . يقول لهؤلاء الـمـمالـيك والصبـيان الصغار هم طوّافون علـيكم أيها الناس ، ويعنـي بـالطوّافـين : أنهم يدخـلون ويخرجون علـى موالـيهم وأقربـائهم فـي منازلهم غدوة وعشية بغير إذن ، يطوفون علـيهم بعضكم علـى بعض فـي غير الأوقات الثلاث التـي أمرهم أن لا يدخـلوا علـى ساداتهم وأقربـائهم فـيها إلاَّ بإذن . { كَذلكَ يُبَـيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآياتِ } يقول جلّ ثناؤه : كما بـينت لكم أيها الناس أحكام الاستئذان فـي هذه الآية ، كذلك يبـين الله لكم جميع أعلامه وأدلته وشرائع دينه . { وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ } يقول : والله ذو علـم بـما يصلـح عبـاده ، حكيـم فـي تدبـيره إياهم وغير ذلك من أموره .