Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 63-63)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لأصحاب نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { لا تَـجْعَلُوا } أيها الـمؤمنون { دُعاءَ الرَّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } . واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : نَهَى الله بهذه الآية الـمؤمنـين أن يتعرّضوا لدعاء الرسول علـيهم ، وقال لهم : اتقوا دعاءه علـيكم ، بأن تفعلوا ما يسخطه فـيدعو لذلك علـيكم فتهلكوا ، فلا تـجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس ، فإن دعاءه موجبة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } دعوة الرسول علـيكم موجبة ، فـاحذروها . وقال آخرون : بل ذلك نهيٌ من الله أن يَدْعُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلَظ وجفَـاء ، وأمر لهم أن يَدْعوه بلـين وتواضع . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نَـجيح ، عن مـجاهد : { كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } قال : أمرهم أن يَدْعوا يا رسول الله ، فـي لـين وتواضع ، ولا يقولوا يا مـحمد ، فـي تـجهُّم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله : { لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } قال : أمرهم أن يَدْعوه : يا رسول الله ، فـي لـين وتواضع . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعْمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } قال : أمرهم أن يفخِّموه ويشرّفوه . وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب عندي التأويـل الذي قاله ابن عبـاس ، وذلك أن الذي قَبْل قوله : { لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } نهيٌ من الله الـمؤمنـين أن يأتوا من الانصراف عنه فـي الأمر الذي يجمع جميعهم ما يكرهه ، والذي بعده وعيد للـمُنْصرفـين بغير إذنه عنه ، فـالذي بـينهما بأن يكون تـحذيراً لهم سُخْطة أن يضطّره إلـى الدعاء علـيهم أشبه من أن يكون أمراً لهم بـما لـم يجر له ذكر من تعظيـمه وتوقـيره بـالقول والدعاء . وقوله : { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً } يقول تعالـى ذكره : إنكم أيها الـمنصرفون عن نبـيكم بغير إذنه ، تستراً وخِفـية منه ، وإن خفـي أمر من يفعل ذلك منكم علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله يعلـم ذلك ولا يخَفـى علـيه ، فلـيتَّق من يفعل ذلك منكم الذين يخالفون أمر الله فـي الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه ، أن تصيبهم فتنة من الله أو يصيبهم عذاب ألـيـم ، فـيطبع علـى قلوبهم ، فـيكفروا بـالله . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الـحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو بن قـيس ، عن جُويبر ، عن الضحاك ، فـي قول الله : { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً } قال : كانوا يستتر بعضهم ببعض ، فـيقومون ، فقال : فلـيحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ، قال : يطَبع علـى قلبه ، فلا يأمن أن يظهر الكفر بلسانه فتُضرب عُنُقه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، قوله : { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً } قال : خلافـاً . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً } قال : هؤلاء الـمنافقون الذين يرجعون بغير إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : اللِّواذ : يـلوذ عنه ويروغ ويذهب بغير إذن النبـيّ صلى الله عليه وسلم . { فَلْـيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ } الذين يصنعون هذا ، { أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِـيـم } . الفتنة ها هنا . الكفر ، واللِّواذ : مصدر لاوذت بفلان مُلاوذة ولِواذاً ، ولذلك ظهرت الواو ، ولو كان مصدراً للُذت لقـيـل : لِـياذاً ، كما يقال : قُمت قـياماً ، وإذا قـيـل : قاومتك ، قـيـل : قواماً طويلاً . واللَّواذ : هو أن يـلوذ القوم بعضُهم ببعض ، يستتر هذا بهذا وهذا بهذا ، كما قال الضحاك . وقوله : { أوْ يُصِيبُهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ } يقول : أو يصيبهم فـي عاجل الدنـيا عذاب من الله موجع ، علـى صنـيعهم ذلك وخلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله : { فَلْـيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ } وأدخـلت « عن » لأن معنى الكلام : فلـيحذر الذين يـلوذون عن أمره ويُدبِرون عنه معرضين .