Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 23-24)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : { وَقَدِمْنَا } وعمدنا إلـى ما عمل هؤلاء الـمـجرمون { مِنْ عَمَلٍ } ومنه قول الراجز : @ وَقَدِمَ الـخَوَارِجُ الضلاَّلُ إلـى عِبـادِ رَبِّهمْ وَقالُوا إنَّ دِماءَكُمْ لَنا حَلالُ @@ يعنـي بقوله : قدم : عمد . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَقَدِمْنَا } قال : عَمَدنا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله وقوله : { فَجَعَلْناهُ هَبـاءً مَنْثُوراً } يقول : فجعلناه بـاطلاً ، لأنهم لـم يعملوه لله وإنـما عملوه للشيطان . والهبـاء : هو الذي يرى كهيئة الغبـار إذا دخـل ضوء الشمس من كوّة يحسبه الناظر غبـاراً لـيس بشيء تقبض علـيه الأيدي ولا تـمسه ، ولا يرى ذلك فـي الظلّ . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرِمة أنه قال فـي هذه الآية { هَبـاءً مَنْثُوراً } قال : الغبـار الذي يكون فـي الشمس . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، عن أبـي رجاء ، عن الـحسن ، فـي قوله : { وَقَدِمْنا إلـى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَبـاءً مَنْثُوراً } قال : الشعاع فـي كوّة أحدهم إن ذهب يقبض علـيه لـم يستطع . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { هَبـاءً مَنْثُوراً } قال : شعاع الشمس من الكوّة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الـحسن ، فـي قوله { هَبـاءً مَنْثوراً } قال : ما رأيت شيئاً يدخـل البـيت من الشمس تدخـله من الكوّة ، فهو الهبـاء . وقال آخرون : بل هو ما تسفـيه الرياح من التراب ، وتذروه من حطام الأشجار ، ونـحو ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الـخراسانـي ، عن ابن عبـاس ، قوله : { هَبـاءً مَنْثُوراً } قال : ما تسفـي الريح وتَبُثُّهُ . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا عن قَتادة { هَبـاءً مَنْثُوراً } قال : هو ما تذرو الريح من حطام هذا الشجر . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد ، فـي قوله : { هَبـاءً مَنْثُوراً } قال : الهبـاء : الغبـار . وقال آخرون : هو الـماء الـمُهراق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { هَبـاءً مَنْثُوراً } يقال : الـماء الـمهراق . وقوله جلّ ثناؤه : { أصحَابُ الـجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأَحْسَنُ مَقِـيلاً } يقول تعالـى ذكره : أهل الـجنة يوم القـيامة خير مستقرّا ، وهو الـموضع الذي يستقرّون فـيه من منازلهم فـي الـجنة من مستقرّ هؤلاء الـمشركين الذين يفتـخرون بأموالهم ، وما أوتوا من عرض هذه الدنـيا فـي الدنـيا ، وأحسن منهم فـيها مقـيلاً . فإن قال قائل : وهل فـي الـجنة قائلة ، فـيقال { وأحْسَنُ مَقِـيلاً } فـيها ؟ قـيـل : معنى ذلك : وأحسن فـيها قراراً فـي أوقات قائلتهم فـي الدنـيا ، وذلك أنه ذكر أن أهل الـجنة لا يـمرّ فـيهم فـي الآخرة إلا قدر ميقات النهار من أوّله إلـى وقت القائلة ، حتـى يسكنوا مساكنهم فـي الـجنة ، فذلك معنى قوله : { وأحْسَنُ مَقِـيلاً } ذكر الرواية عمن قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أصحَابُ الـجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً } يقول : قالوا فـي الغرف فـي الـجنة ، وكان حسابهم أن عرضوا علـى ربهم عرضة واحدة ، وذلك الـحساب الـيسير ، وهو مثل قوله : فَأمَّا مَنْ أُوتِـيَ كِتابَهُ بِـيَـمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابـاً يَسِيراً ، وَيَنْقَلِبُ إلـى أهْلِهِ مَسْرُوراً . حدثنـي أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيـم ، فـي قوله : { أصحَابُ الـجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وأحْسَنُ مَقِـيلاً } قال : كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القـيامة فـي نصف النهار ، فـيقـيـل هؤلاء فـي الـجنة وهؤلاء فـي النار . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج { أصحَابُ الـجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وَأَحْسَنُ مَقِـيلاً } قال : لـم ينتصف النهار حتـى يقضي الله بـينهم ، فـيقـيـل أهل الـجنة فـي الـجنة وأهل النار فـي النار . قال : وفـي قراءة ابن مسعود : ثُمَّ إنَّ مَقِـيـلَهُمْ لإلَـى الـجَحِيـم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { أصحَابُ الـجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً } قال : قال ابن عبـاس : كان الـحساب من ذلك فـي أوّله ، وقال القوم حين قالوا فـي منازلهم من الـجنة ، وقرأ { أصحَابُ الـجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الـحارث أن سعيداً الصوّاف حدثه أنه بلغه أن يوم القـيامة يقضي علـى الـمؤمنـين حتـى يكون كما بـين العصر إلـى غروب الشمس ، وأنهم يقـيـلون فـي رياض الـجنة حتـى يفرغ من الناس ، فذلك قول الله : { أصحَابُ الـجنَّةَ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وأحْسَنُ مَقِـيلاً } . قال أبو جعفر : وإنـما قلنا : معنى ذلك : خير مستقراً فـي الـجنة منهم فـي الدنـيا ، لأن الله تعالـى ذكره عَمَّ بقوله : { أصحَابُ الـجنَّةِ يَوْمَئِذٍ خير مستقرا وأحسَنُ مَقِـيلاً } ، جميع أحوال الـجنة فـي الآخرة أنها خير فـي الاستقرار فـيها ، والقائلة من جميع أحوال أهل النار ، ولـم يخصّ بذلك أنه خير من أحوالهم فـي النار دون الدنـيا ، ولا فـي الدنـيا دون الآخرة ، فـالواجب أن يعمّ كما عمّ ربنا جلّ ثناؤه ، فـيقال : أصحاب الـجنة يوم القـيامة خير مستقرّاً فـي الـجنة من أهل النار فـي الدنـيا والآخرة ، وأحسن منهم مقـيلاً . وإذا كان ذلك معناه ، صحّ فساد قول من توهَّم أن تفضيـل أهل الـجنة بقول الله : { خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً } علـى غير الوجه الـمعروف من كلام الناس بـينهم فـي قولهم : هذا خير من هذا ، وهذا أحسن من هذا .