Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 192-195)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : وإنّ هذا القرآن { لتَنْزِيـلُ رَبِّ العَالَـمينَ } والهاء فـي قوله { وَإنَّهُ } كناية الذكر الذي فـي قوله : { وَما يَأْتِـيهِمْ منْ ذِكْرٍ منَ الرَّحْمَنِ } وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله { لتَنْزِيـلُ رَبّ العالَـمِينَ } قال : هذا القرآن . واختلف القرّاء فـي قراءة قوله { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ } فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة { نَزَلَ } بهِ مخففة { الرُّوحُ الأَمِينُ } رفعا بـمعنى : أن الروح الأمين هو الذي نزل بـالقرآن علـى مـحمد ، وهو جبريـل . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة { نَزَّلَ } مشددة الزاي { الرُّوحَ الأَمِينَ } نصبـا ، بـمعنى : أن ربّ العالـمين نزّل بـالقرآن الروح الأمين ، وهو جبريـل علـيه السلام . والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرّاء الأمصار ، متقاربتا الـمعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أن الروح الأمين إذا نزل علـى مـحمد بـالقرآن ، لـم ينزل به إلا بأمر الله إياه بـالنزول ، ولن يجهل أن ذلك كذلك ذو إيـمان بـالله ، وأن الله إذا أنزله به نزل . وبنـحو الذي قلنا فـي أن الـمعنـيّ بـالروح الأمين فـي هذا الـموضع جبريـل قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ } قال : جبريـل . حدثنا الـحسين ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قول الله { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ } قال : جبريـل . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج قال { الرُّوحُ الأمِينُ } جبريـل . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله { الرُوحُ الأَمِينُ } قال : جبريـل . وقوله { عَلـى قَلْبِكَ } يقول : نزل به الروح الأمين فتلاه علـيك يا مـحمد ، حتـى وعيته بقلبك . وقوله : { لِتَكُونَ مِنَ الـمُنْذِرِينَ } يقول : لتكون من رسل الله الذين كانوا ينذرون من أُرسلوا إلـيه من قومهم ، فتنذر بهذا التنزيـل قومك الـمكذّبـين بآيات الله . وقوله : { بِلِسانٍ عَرَبِـيّ مُبِـينٍ } يقول : لتنذر قومك بلسان عربـيّ مبـين ، يبـين لـمن سمعه أنه عربـيّ ، وبلسان العرب نزل ، والبـاء من قول { بِلِسانٍ } من صلة قوله : { نَزَلَ } ، وإنـما ذكر تعالـى ذكره أنه نزل هذا القرآن بلسان عربـيّ مبـين فـي هذا الـموضع ، إعلاما منه مشركي قريش أنه أنزله كذلك ، لئلا يقولوا إنه نزل بغير لساننا ، فنـحن إنـما نعرض عنه ولا نسمعه ، لأنا لا نفهمه ، وإنـما هذا تقريع لهم ، وذلك أنه تعالـى ذكره قال : { ما يَأْتِـيهُمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَن مُـحْدَثٍ إلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } ثم قال : لـم يعرضوا عنه لأنهم لا يفهمون معانـيه ، بل يفهمونها ، لأنه تنزيـل ربّ العالـمين نزل به الروح الأمين بلسانهم العربـيّ ، ولكنهم أعرضوا عنه تكذيبـاً به واستكبـاراً { فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيأتـيهمْ أنْبـاءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئونَ } كما أتـى هذه الأمـم التـي قصصنا نبأها فـي هذه السورة حين كذّبت رسلها أنبـاء ما كانوا به يُكذبون .