Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 196-201)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : وإن هذا القرآن لفـي زبر الأوّلـين : يعنـي فـي كتب الأوّلـين ، وخُرّج مَخْرَج العموم ومعناه الـخصوص ، وإنـما هو : وإن هذا القرآن لفـي بعض زبر الأوّلـين يعنـي : أن ذكره وخبره فـي بعض ما نزل من الكتب علـى بعض رسله . وقوله : { أوَ لـمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَـمَهُ عُلَـماءُ بَنِـي إسْرائِيـلَ } يقول تعالـى ذكره : أو لـم يكن لهؤلاء الـمعرضين عما يأتـيك يا مـحمد من ذكر ربك ، دِلالةٌ علـى أنك رسول ربّ العالـمين ، أن يعلـم حقـيقة ذلك وصحته علـماء بنـي إسرائيـل . وقـيـل : عنـي بعلـماء بنـي إسرائيـل فـي هذا الـموضع : عبد الله بن سلام ومن أشبهه مـمن كان قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بنـي إسرائيـل فـي عصره . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أوَ لـمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَـمَهُ عُلَـماءُ بَنِـي إسْرائِيـلَ } قال : كان عبد الله بن سلام من علـماء بنـي إسرائيـل ، وكان من خيارهم ، فآمن بكتاب مـحمد صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم الله : أو لـم يكن لهم آية أن يعلـمه علـماء بنـي إسرائيـل وخيارهم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله { عُلَـماءُ بَنِـي إسْرَائِيـلَ } قال : عبد الله بن سلام وغيره من علـمائهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج { أوَ لَـمْ يَكُنْ لَهَمْ آيَةً } قال مـحمد : { أنْ يَعْلَـمَهُ } قال : يعرفه { عُلَـماءُ بَنِـي إسْرَائِيـلَ } . قال ابن جُرَيج ، قال مـجاهد : علـماء بنـي إسرائيـل : عبد الله بن سلام ، وغيره من علـمائهم . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { أوَ لـمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَـمَهُ عُلَـماءُ بَنِـي إسْرائِيـلَ } قال : أو لـم يكن للنبـيّ آية ، علامة أن علـماء بنـي إسرائيـل كانوا يعلـمون أنهم كانوا يجدون مكتوبـاً عندهم ، وقوله : { وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ } يقول تعالـى ذكره : ولو نزّلنا هذا القرآن علـى بعض البهائم التـي لا تنطق ، وإنـما قـيـل علـى بعض الأعجميـين ، ولـم يقل علـى بعض الأعجمين ، لأن العرب تقول إذا نعتت الرجل بـالعُجمة وأنه لا يفصح بـالعربـية : هذا رجل أعْجم ، وللـمرأة : هذه امرأة عَجْماء ، وللـجماعة : هؤلاء قوم عُجْم وأعجمون ، وإذا أريد هذا الـمعنى وصف به العربـيّ والأعْجَميّ ، لأنه إنـما يعنـي أنه غير فصيح اللسان ، وقد يكون كذلك ، وهو من العرب ومن هذا الـمعنى قول الشاعر : @ مِنْ وَائِلٍ لا حَيَّ يَعْدِلُهُمْ مِنْ سُوقَةٍ عَرَبٌ وَلا عُجْمُ @@ فأما إذا أريد به نسبة الرجل إلـى أصله من العجم ، لا وصفه بأنه غير فصيح اللسان ، فإنه يقال : هذا رجل عجميّ ، وهذان رجلان عجميان ، وهؤلاء قوم عَجَم ، كما يقال : عربـيّ ، وعربـيان ، وقوم عرب . وإذا قـيـل : هذا رجل أعجميّ ، فإنـما نسب إلـى نفسه كما يقال للأحمر : هذا أحمري ضخم ، وكما قال العجاج : @ والدَّهْرَ بـالإِنْسانِ دَوَّارِيُّ @@ ومعناه : دوّار ، فنسبه إلـى فعل نفسه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن مـحمد بن أبـي موسى ، قال : كنت واقـفـا إلـى جنب عبد الله بن مطيع بعرفة ، فتلا هذه الآية : { وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعجْمَينَ . فقَرأهُ عَلَـيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِـينَ } قال : لو نزل علـى بعيري هذا فتكلـم به ما آمنوا به لقَالُوا : { لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } حتـى يفقهه عربـيّ وعجميّ ، لو فعلنا ذلك . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت داود بن أبـي هند ، عن مـحمد بن أبـي موسى ، قال : كان عبد الله بن مطيع واقـفـا بعرفة ، فقرأ هذه الآية { وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ } فقرأه علـيهم ، قال : فقال : جملـي هذا أعجم ، فلو أُنزل علـى هذا ما كانوا به مؤمنـين . ورُوي عن قِتادة فـي ذلك ما . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة { وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ } قال : لو نزله الله أعجمياً كانوا أخسر الناس به ، لأنهم لا يعرفون بـالعجمية . وهذا الذي ذكرناه عن قتادة قول لا وجه له ، لأنه وجَّه الكلام أن معناه : ولو أنزلناه أعجمياً ، وإنـما التنزيـل { وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمينَ } يعنـي : ولو نزّلنا هذا القرآن العربـيّ علـي بهيـمة من العجم أو بعض ما لا يفصح ، ولـم يقل : ولو نزّلناه أعجمياً . فـيكون تأويـل الكلام ما قاله . وقوله { فَقَرأهُ عَلَـيْهِمْ } يقول : فقرأ هذا القرآن علـى كفـار قومك يا مـحمد حتـمت علـيهم أن لا يؤمنوا ذلك الأعجم ما كانوا به مؤمنـين . يقول : لـم يكونوا لـيؤمنوا به ، لـما قد جرى لهم فـي سابق علـمي من الشقاء ، وهذا تسلـية من الله نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم عن قومه ، لئلا يشتدّ وجده بإدبـارهم عنه ، وإعراضهم عن الاستـماع لهذا القرآن ، لأنه كان صلى الله عليه وسلم شديداً حرصه علـى قبولهم منه ، والدخول فـيـما دعاهم إلـيه ، حتـى عاتبه ربه علـى شدّة حرصه علـى ذلك منهم ، فقال له : { لَعَلَّكَ بـاخِعٌ نَفْسَكَ أنْ لا يَكُونُوا مُؤْمِنِـينَ } ثم قال مؤْيِسَه من إيـمانهم وأنهم هالكون ببعض مثلاته ، كما هلك بعض الأمـم الذين قصّ علـيهم قصصهم فـي هذه السورة . ولو نزّلناه علـى بعض الأعجمين يا مـحمد لا علـيك ، فإنك رجل منهم ، ويقولون لك : ما أنت إلا بشر مثلنا ، وهلا نزل به مَلَك ، فقرأ ذلك الأعجم علـيهم هذا القرآن ، ولـم يكن لهم علة يدفعون بها أنه حقّ ، وأنه تنزيـل من عندي ، ما كانوا به مصدّقـين ، فخفض من حرصك علـى إيـمانهم به ، ثم وكد تعالـى ذكره الـخبر عما قد حتـم علـى هؤلاء الـمشركين ، الذين آيس نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم من إيـمانهم من الشقاء والبلاء ، فقال : كما حتـمنا علـى هؤلاء أنهم لا يؤمنون بهذا القرآن { وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ } فقرأه علـيهم { كَذَلِكَ نَسْلُكهُ } التكذيب والكفر { فِـي قُلُوبِ الـمـجرِمِينَ } . ويعنـي بقوله : سلكنا : أدخـلنا ، والهاء فـي قوله { سَلَكْناهُ } كناية من ذكر قوله { ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِـينَ } ، كأنه قال : كذلك أدخـلنا فـي قلوب الـمـجرمين ترك الإيـمان بهذا القرآن . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : { كذَلكَ سَلَكْناهُ } قال : الكفر { فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { كَذلكَ سَلَكْناهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ . لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حتـى يَرَوا العَذَابَ الأَلِـيـمَ } . حدثنـي علـيّ بن سهل ، قال : ثنا زيد بن أبـي الزرقاء ، عن سفـيان ، عن حميد ، عن الـحسن ، فـي هذه الآية { كَذلكَ سَلَكْناهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ } قال : خـلقناه . قال : ثنا زيد ، عن حماد بن سلـمة ، عن حميد ، قال : سألت الـحسن فـي بـيت أبـي خـلـيفة ، عن قوله { كذلكَ سَلَكْناهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ } قال : الشرك سلكه فـي قلوبهم ، وقوله : { لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حتـى يَرَوا العَذَابَ الأَلِـيـمَ } يقول : فعلنا ذلك بهم لئلا يصدّقوا بهذا القرآن ، حتـى يروا العذاب الألـيـم فـي عاجل الدنـيا ، كما رأت ذلك الأمـم الذين قصّ الله قصصهم فـي هذه السورة . ورفع قوله { لا يُؤْمِنُونَ } لأن العرب من شأنها إذا وضعت فـي موضع مثل هذا الـموضع « لا » ربـما جزمت ما بعدها ، وربـما رفعت فتقول : ربطت الفرس لا تنفلتْ ، وأحكمت العقد لا ينـحلّ ، جزما ورفعا . وإنـما تفعل ذلك لأن تأويـل ذلك : إن لـم أحكم العقد انـحلّ ، فجزمه علـى التأويـل ، ورفعه بأن الـجازم غير ظاهر . ومن الشاهد علـى الـجزم فـي ذلك قول الشاعر : @ لَوْ كُنْتَ إذْ جِئْتَنا حاوَلْتَ رُؤْيَتَنا أوْ جِئْتَنا ماشِيا لا يَعْرِفِ الفَرَس @@ وقول الآخر :