Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ … } الآية ، فقال بعضهم : معناه : فظلّ القوم الذين أنزل علـيهم من السماء آية خاضعة أعناقهم لها من الذَلَّة . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد فـي قوله : { فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعينَ } قال : فظلوا خاضعة أعناقهم لها . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله { خاضِعِينَ } قال : لو شاء الله لنزّل علـيه آية يذلون بها ، فلا يَـلْوِي أحد عنقه إلـى معصية الله . حدثنا القاسم قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج { أنْ لا يَكُونُوا مُؤْمِنِـينَ إنْ نَشأْ نُنَزّلْ عَلَـيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً } قال : لو شاء الله لأراهم أمراً من أمره لا يعمل أحد منهم بعده بـمعصية . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعِينَ } قال : ملقـين أعناقهم . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعِينَ } قال : الـخاضع : الذلـيـل . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلت سادتهم وكبراؤهم للآية خاضعين ، ويقول : الأعناق : هم الكبراء من الناس . واختلف أهل العربـية فـي وجه تذكير خاضعين ، وهو خبر عن الأعناق ، فقال بعض نـحويِّـي البصرة : يزعمون أن قوله { أعْناقُهُمْ } علـى الـجماعات ، نـحو : هذا عنق من الناس كثـير ، أو ذُكِّركما يذكَّر بعض الـمؤنث ، كما قال الشاعر : @ تَـمَزَّزْتها والدّيكُ يَدْعُو صَبـاحَهُ إذا ما بنو نَعْشٍ دَنَوْا فَتَصَوَّبُوا @@ فجماعات هذا أعناق ، أو يكون ذكره لإضافته إلـى الـمذكر كما يؤنث لإضافته إلـى الـمؤنث ، كما قال الأعشى : @ ونَشْرَقُ بـالقَوْل الَّذي قَدْ أذَعْتَه كمَا شَرقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّم @@ وقال العجاج : @ لَـمَّا رأى مَتْنَ السَّماء أبْعَدَتْ @@ وقال الفرزدق : @ إذَا الْقُنْبُضَات السُّود طَوَّفْنَ بـالضحى رَقَدْنَ عَلَـيْهِنَّ الـحِجالُ الـمَسَجَّفُ @@ وقال الأعشى : @ وَإنَّ امْرَأً أهْدَى إلَـيْكِ وَدُونَهُ مِنَ الأرْضِ يَهْماءٌ وَبَـيْدَاءُ خَيْفَقُ لَـمَـحْقُوقَةٌ أن تَسْتَـجِيبِـي لِصَوْتِهِ وأنْ تَعْلَـمِي أنَّ الـمُعانَ الـمُوَفَّقُ @@ قال : ويقولون : بنات نعش وبنو نعش ، ويقال : بنات عِرس ، وبنو عِرس وقالت امرأة : أنا امرؤ لا أخبر السرّ ، قال : وذكر لرؤبة رجل فقال : هو كان أحد بنات مساجد الله ، يعنـي الـحَصَى . وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول : هذا بـمنزلة قول الشاعر : @ تَرَى أرْماحَهُمْ مُتَقَلدِيها إذَا صَدِىءَ الـحَدِيدُ علـى الكُماةِ @@ فمعناه عنده : فظلت أعناقهم خاضعيها هم ، كما يقال : يدك بـاسطها ، بـمعنى : يدك بـاسطها أنت ، فـاكتفـى بـما ابتدأ به من الاسم أن يكون ، فصار الفعل كأنه للأوّل وهو للثانـي ، وكذلك قوله : لـمـحقوقة أن تستـجيبـي لصوته إنـما هو لـمـحقوقة أنت ، والـمـحقوقة : الناقة ، إلا أنه عطفه علـى الـمرء لـما عاد بـالذكر . وكان آخر منهم يقول : الأعناق : الطوائف ، كما يقال : رأيت الناس إلـى فلان عنقاً واحدة ، فـيجعل الأعناق الطوائف والعُصَب ويقول : يحتـمل أيضاً أن تكون الأعناق هم السادة والرجال الكبراء ، فـيكون كأنه قـيـل : فظلت رؤوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين ، وقال : أحبُّ إلـيّ من هذين الوجهين فـي العربـية أن يقال : إن الأعناق إذا خضعت فأربـابها خاضعون ، فجعلْت الفعل أوّلاً للأعناق ، ثم جَعَلْتَ خاضعين للرجال ، كما قال الشاعر : @ عَلـى قَبْضَة مَرْجُوَّة ظَهْرُ كَفِّهِ فَلا الـمَرْءُ مُسْتَـحْيٍ وَلا هُوَ طاعِمُ @@ فأنث فعل الظهر ، لأن الكفّ تـجمع الظهر ، وتكفـي منه ، كما أنك تكتفـي بأن تقول : خضعت لك ، من أن تقول : خَضَعَتْ لك رقبتـي ، وقال : ألا ترى أن العرب تقول : كل ذي عين ناظر وناظرة إلـيك ، لأن قولك : نظرتْ إلـيك عينـي ، ونظرتُ إلـيك بـمعنى واحد بترك كل ، وله الفعل وبرده إلـى العين ، فلو قلت : فظلت أعناقهم لها خاضعة ، كان صوابـاً . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب وأشبهها بـما قال أهل التأويـل فـي ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال ، وأن يكون معنى الكلام : فظلت أعناقهم ذلـيـلة ، للآية التـي ينزلها الله علـيهم من السماء ، وأن يكون قوله « خاضعين » مذكراً ، لأنه خبر عن الهاء والـميـم فـي الأعناق ، فـيكون ذلك نظير قول جرير : @ أرَى مَرَّ السِّنِـينَ أخَذْنَ مِنِّـي كمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ @@ وذلك أن قوله : مرّ ، لو أسقط من الكلام ، لأدى ما بقـي من الكلام عنه ولـم يفسد سقوطه معنى الكلام عما كان به قبل سقوطه ، وكذلك لو أسقطت الأعناق من قوله : فظلت أعناقهم ، لأدى ما بقـي من الكلام عنها ، وذلك أن الرجال إذا ذلُّوا ، فقد ذلت رقابهم ، وإذا ذلت رقابهم فقد ذلوا . فإن قـيـل فـي الكلام : فظلوا لها خاضعين ، كان الكلام غير فـاسد ، لسقوط الأعناق ، ولا متغير معناه عما كان علـيه قبل سقوطها ، فصرف الـخبر بـالـخضوع إلـى أصحاب الأعناق ، وإن كان قد ابتدأ بذكر الأعناق لـما قد جرى به استعمال العرب فـي كلامهم ، إذا كان الاسم الـمبتدأ به ، وما أضيف إلـيه يؤدّي الـخبر كلّ واحد منهما عن الآخر .